وقد بلغ من إخبات العلماء إلى حديث سدِّ الأبواب أنَّهم تحرّوا (١) وجه الجمع ـ وإن لم يكن مرضيّا عندنا ـ بينه وبين الحديث الذي أورده في أبي بكر ، ولم يقذفه أحد غير ابن الجوزي ـ شقيق ابن تيميّة في المخاريق ـ بمثل ما قذفه ابن تيميّة.
وهناك لأئمّة القوم وحفّاظهم كلمات ضافية حول الحديث وصحّته والبخوع له ، لا يسعنا ذكر الجميع ، غير أنّا نقتصر منها على كلمات الحافظ ابن حجر. قال في فتح الباري (٢) (٧ / ١٢) ـ بعد ذكر ستّة من الأحاديث المذكورة ـ : هذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً ، وكلُّ طريق منها صالحة للاحتجاج فضلاً عن مجموعها ، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، أخرجه من حديث سعد بن أبي وقّاص ، وزيد ابن أرقم ، وابن عمر ، مقتصراً على بعض طرقه عنهم ، وأعلّه ببعض من تكلّم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق ، وأعلّه أيضاً بأنّه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر ، وزعم أنّه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهى. وأخطأ في ذلك خطأً شنيعاً ، فإنَّه سلك في ذلك ردَّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة ـ بينها وبين ما ورد في أبي بكر ـ ، مع أنَّ الجمع بين القصّتين ممكن ، وقد أشار إلى ذلك البزّار في مسنده ، فقال : ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصّة عليٍّ ، وورد من روايات أهل المدينة في قصّة أبي بكر ، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دلَّ عليه حديث أبي سعيد الخدري (٣) ، يعني الذي أخرجه الترمذي (٤) : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : «لا يحلُّ لأحد أن يطرق هذا المسجد جُنباً غيري وغيرك». والمعنى : أنَّ باب عليٍّ كان إلى جهة
__________________
(١) منهم : أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار ، ابن كثير في تاريخه [٧ / ٣٧٩ حوادث سنة ٤٠ ه] ، ابن حجر في غير واحد من كتبه [فتح الباري : ٧ / ١٥] ، السيوطي في اللآلئ [١ / ٣٤٦ ـ ٣٥١] ، القسطلاني في إرشاد الساري [٨ / ١٦٧] ، العيني في عمدة القاري [١٦ / ١٧٦]. (المؤلف)
(٢) فتح الباري : ٧ / ١٥.
(٣) مسند البزّار : ٤ / ٣٦ ح ١١٩٧.
(٤) سنن الترمذي : ٥ / ٥٩٧ ح ٣٧٢٧.