المسجد ولم يكن لبيته بابٌ غيره ، فلذلك لم يُؤمر بسدِّه ، ويؤيِّد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن ، من طريق المطّلب بن عبد الله بن حنطب : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمرَّ في المسجد وهو جُنبٌ إلاّ لعليِّ بن أبي طالب ، لأنَّ بيته كان في المسجد.
ومحصَّل الجمع : أنَّ الأمر بسدِّ الأبواب وقع مرّتين : ففي الأولى استُثني عليٌّ لما ذُكر ، وفي الأخرى استُثني أبو بكر ، ولكن لا يتمّ ذلك إلاّ بأن يُحمل ما في قصّة عليٍّ على الباب الحقيقيِّ ، وما في قصّة أبي بكر على الباب المجازي ، والمراد به الخوخة كما صرّح به في بعض طرقه ، وكأنَّهم لمّا أُمروا بسدِّ الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً يستقربون الدخول إلى المسجد منها ، فأُمروا بعد ذلك بسدِّها ، فهذه طريقةٌ لا بأس بها في الجمع بين الحديثين ؛ وبها جمع بين الحديثين المذكورين : أبو جعفر الطحاويّ في مشكل الآثار ، وهو في أوائل الثلث الثالث منه ، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار ، وصرّح بأنَّ بيت أبي بكر كان له بابٌ من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد ، وبيت عليٍّ لم يكن له بابٌ إلاّ من داخل المسجد. والله أعلم.
وقال في القول المسدَّد (١) (ص ١٦) : قول ابن الجوزي في هذا الحديث : إنَّه باطلٌ وإنَّه موضوعٌ دعوى لم يستدلّ عليها إلاّ بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدامٌ على ردِّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم ، ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلاّ عند عدم إمكان الجمع ، ولا يلزم من تعذّر الجمع في الحال أنَّه لا يمكن بعد ذلك ، إذ فوق كلّ ذي علم عليم ، وطريق الورع مثل هذا أن لا يُحكم على الحديث بالبطلان ، بل يُتوقّف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له.
وهذا الحديث من هذا الباب هو حديث مشهور ، له طرق متعدِّدة ، كلُّ طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ، ومجموعها ممّا يُقطع بصحّته على طريقة
__________________
(١) القول المسدّد : ص ١٩ و ٢٣ ، ٢٤.