وقول المطّلب بن عبد الله بن حنطب : إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن أذِن لأحد أن يمرَّ في المسجد ولا يجلس فيه وهو جُنبٌ ، إلاّ عليّ بن أبي طالب لأنَّ بيته كان في المسجد (١).
أخرجه الجصّاص بالإسناد ، فقال : فأخبر في هذا الحديث بحظر النبيِّ صلى الله عليه وسلم الاجتياز كما حظر عليهم القعود ، وما ذكر من خصوصيّة عليّ رضى الله عنه فهو صحيحٌ ، وقول الراوي : لأنّه كان بيته في المسجد ظنٌّ منه ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أمر في الحديث الأوّل بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره ، ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في المسجد ، وإنَّما كانت الخصوصيّة فيه لعليّ رضى الله عنه دون غيره ، كما خصّ جعفر بأنَّ له جناحين في الجنّة دون سائر الشهداء ، وكما خصّ حنظلة بغسل الملائكة له حين قُتل جُنباً ، وخصّ دحية الكلبي بأنَّ جبريل كان ينزل على صورته ، وخصّ الزبير بإباحة ملبس الحرير لَمّا شكا من أذى القمّل ، فثبت بذلك أنَّ سائر الناس ممنوعون من دخول المسجد مجتازين وغير مجتازين. انتهى.
فزبدة المخض من هذه كلّها : أنَّ إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذِن الله لرسوله ـ ممّا خصّ به ـ مبتنٍ على نزول آية التطهير النافية عنهم كلَّ نوع من الرجاسة.
ويشهد لذلك حديث مناشدة يوم الشورى ، وفيه قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «أفيكم أحد يطهِّره كتاب الله غيري حتى سدَّ النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أبواب المهاجرين جميعاً وفتح بابي إليه حتى قام إليه عمّاه حمزة والعبّاس ، وقالا : يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب عليّ ، فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم ، بل الله فتح بابه وسدَّ أبوابكم؟». فقالوا : لا.
__________________
(١) أخرجه الجصّاص في أحكام القرآن : ٢ / ٢٤٨ [٢ / ٤٠٢] ، والقاضي إسماعيل المالكي في أحكام القرآن كما في القول المسدّد لابن حجر : ص ١٩ [ص ٢٤] وقال : مرسل قويّ ، ويوجد في تفسير الزمخشري : ١ / ٣٦٦ [الكشّاف : ١ / ٥١٤] ، وفتح الباري : ٧ / ١٢ [٧ / ١٥] ، ونُزُل الأبرار : ص ٣٧ [ص ٧٤]. (المؤلف)