إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قد أتاني كتابك ، وقديماً غرّك ـ يا أحمق بني غالب وسفيههم ـ بالله الغرور ، وسيحول الله بينك وبين ما تريد ، ويجعل لنا العاقبة ، وليأتينَّ عليك يوم أكسر فيه اللاّت والعزّى وساف ونائلة وهبل يا سفيه بني غالب».
ولم يزل يُحادُّ الله ورسوله ، حتى سار رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكّة ، فأتى به العبّاس ابن عبد المطّلب رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أردفه ، وذلك أنَّه كان صديقه ونديمه في الجاهليّة ، فلمّا دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يؤمّنه ، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : «ويلك يا أبا سفيان ألم يأنِ لك أن تعلمَ أن لا إله إلاّ الله؟» ، فقال : بأبي أنت وأمّي ما أوصلك وأجملك وأكرمك! والله لقد ظننت أنّه لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنّي شيئاً. فقال : «يا أبا سفيان ألم يأنِ لك أن تعلم أنّي رسول الله؟» ، فقال : بأبي أنت وأمّي ما أوصلك وأجملك وأكرمك ، أمّا هذه ففي النفس منها شيءٌ! فقال له العبّاس : ويلك اشهد بشهادة الحقّ قبل أن تُضرب عنقك ، فشهد وأسلم.
فهذا حديث إسلامه كما ترى ، واختلف في حسن إسلامه فقيل : إنَّه شهد حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأزلام معه يستقسم بها ، وكان كهفاً للمنافقين ، وإنّه كان في الجاهليّة زنديقاً ، وفي خبر عبد الله بن الزبير : إنَّه رآه يوم اليرموك ، قال : فكانت الروم إذا ظهرت ، قال أبو سفيان : إيهٍ بني الأصفر! فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان :
وبنو الأصفر الملوك ملوك الر |
|
وم لم يبق منهمُ مذكورُ (١) |
فحدّث به ابن الزبير أباه ، فلمّا فتح الله على المسلمين ، قال الزبير : قاتله الله يأبى إلاّ نفاقاً ، أوَلَسنا خيراً من بني الأصفر؟
وذكر المدائني ، عن أبي زكريّا العجلاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال :
__________________
(١) هذا البيت من جملة أبيات النعمان بن امرئ القيس. (المؤلف)