ولعلّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد كان علم ذلك بالوحي ، فلم يقل له شيئاً لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله حتى حُرِم ما حُرِم من ذلك بتعريض غير صريح. الروض الأُنف (١) (٢ / ١٠٧).
وما عساني أن أقول في أبي العاص الذي كان على شركه إلى عام الحديبيّة ، وأُسر مع المشركين مرّتين ، وفرّق الإسلام بينه وبين زوجته زينب بنت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ستّ سنين ، وهاجرت مسلمةً وتركته لشركه ، ولم ترد قط بعد إسلامه كلمة تعرب عن صلته مع النبيّ ومداراته له ، فضلاً عن مقايسته بعليّ أبي ذريّته وسيّد عترته.
وقد اتّهم الرجل نبيّ الإسلام بعدم العمل على سعادة ابنته الطاهرة المطهّرة بنصّ الكتاب العزيز ، ويقذف عليّا بالتألّم من ذلك ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أصبح أتى باب عليّ وفاطمة وهو يقول : «يرحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً».
وكان لم يزل يقول : «فاطمة أحبّ الناس إليّ».
ويقول : «أحبُّ الناس إليّ من النساء فاطمة».
ويقول : «أحبُّ أهلي إليّ فاطمة».
وكان عمر يقول لفاطمة : والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله منكِ (٢).
وما أقبح الرجل في تقوّله على النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعدّه لعليٍّ غير قوّام بجليل الأعمال. وقد وازره وناصره وعاضده بتمام معنى الكلمة ، بكلِّ حول وطَول من بدء دعوته إلى آخر نفس لفظه ، فصار بذلك له نفساً ، وأخاً ، ووزيراً ، ووصيّاً ، وخليفةً ، ووارثاً ، ووليّاً بعده ، وكان قائده الوحيد في حروبه ومغازيه ، وهو ذلك الملقّب بقائد الغرِّ
__________________
(١) الروض الأُنف : ٥ / ٣٦٢.
(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٥٠ [٣ / ١٦٨ ح ٤٧٣٦] وصحّحه. (المؤلف)