كانوا أناساً بعيدين من الخلافة وولاية العهد ، وهما علّة البغضاء الشديدة بين العبّاسيّين والعلويّين ، وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد أنفسهم أنّهم كانوا يكرمون عليّا وأبناءه ، كما كان مشهوراً عن المعتضد الخليفة الذي أكثر ابن الرومي من مدحه ، وكما كان مشهوراً عن المنتصر وليّ العهد الذي قيل إنّه قتل أباه المتوكّل جريرة ملاحاة وقعت بينهما في الذبّ عن حرمة عليّ وآله.
ثمّ قال بعد استظهار تشيّع بني طاهر (ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩) : وإنّ أحقّ عقيدة أن يجدّ المرء فيها لعقيدةٌ تُجرّئه إذا خاف ، وتبسط له العذر والعزاء إذا سخط من صروف الحوادث ، وتمهّد له الأمل في مقبلٍ خيرٍ من الحاضر ، وأدنى منه إلى كشف الظلامات وردّ الحقوق ، وكلّ أولئك كان ابن الرومي واجده على أوفاه في التشيّع للعلويّين أصحاب الإمامة المنتظرة في عالم الغيب ، على العباسيّين أصحاب الحاضر الممقوت المتمنّى زواله ، فلهذا كان متشيّعاً في الهوى ، متشيّعاً في الرجاء ، وكان على مذهب غيره من الشعراء وعلى مذهب غيره من سائر المتشيّعين.
أمّا الاعتزال فابن الرومي لا يكتمه ولا يماري فيه ، بل يظهره إظهار معتزٍّ به ، حريصٍ عليه ، فمن قوله في ابن حريث :
معتزليٌّ مسرُّ كفرٍ |
|
يُبدي ظهوراً لها بطونُ |
أأرفضُ الاعتزال رأياً |
|
كلاّ لأنِّي به ظنينُ |
لو صحّ عندي له اعتقادٌ |
|
ما دنتُ ربّي بما يدينُ |
وكان مذهبه في الاعتزال مذهب القدريّة الذين يقولون بالاختيار ، وينزّهون الله عن عقاب المُجبَر على ما يفعل ، وذلك واضح من قوله يخاطب العبّاس بن القاشي ويناشده صلة المذهب :
إن لا يكنْ بيننا قربى فآصرةٌ |
|
للدين يقطع فيها الوالدُ الولدا |