مقالةُ العدلِ والتوحيدِ تجمعُنا |
|
دون المضاهين من ثنّى ومن جحدا |
وبين مستطرِفَي غَيٍّ مرافقةٌ |
|
تُرعى فكيف اللذان استطرفا رشدا |
كن عند أخلاقِك الزُّهرِ التي جُعِلَتْ |
|
عليكَ موقوفةً مقصورةً أبدا |
ما عذرُ معتزليٍّ مُوسرٍ مَنعَتْ |
|
كفّاهُ معتزليّا مُقتراً صفدا |
أيزعمُ القدرُ المحتومُ ثبّطَه |
|
إن قال ذاك فقد حلّ الذي عقدا |
أم ليس مستأهلاً جدواه صاحبُهُ |
|
أنّى وما جار عن قصدٍ ولا عَنَدا |
أم ليس يُمكِنُهُ ما يرتضيه له |
|
يكفي أخاً من أخ ميسورُ ما وجدا |
لا عذرَ فيما يُريني الرأي علّمهُ |
|
للمرء مثلُكَ ألاّ يأتيَ السددا |
فواضحٌ من كلامه هذا أنَّه معتزليٌّ ، وأنَّه من أهل العدل والتوحيد ، وهو الاسم الذي تسمّى به القدريّة ، لأنّهم ينسبون العدل إلى الله ، فلا يقولون بعقوبة العبد على ذنب قضى له وسبق إليه ، ولأنّهم يوحّدون الله فيقولون : إنّ ال قرآن من خلقه ، وليس قديماً مضاهياً له في صفتَي الوجود والقدم ، وقد اختاروا لأنفسهم هذا الاسم ليردّوا به على الذين سمّوهم القدريّة ، ورووا فيهم الحديث : القدريّة مجوس هذه الأمّة. فهم يقولون : ما نحن بالقدريّة ؛ لأنّ الذين يعتقدون القدَر أولى بأن ينسبوا إليه ، إنّما نحن من أهل العدل والتوحيد ، لأنَّنا ننزّه الله عن الظلم وعن الشريك.
وواضحٌ كذلك من كلامه أنَّه يعتقد حرّية الإنسان فيما يأتي من خير وشرّ ، ويحتجُّ على زميله بهذه الحجّة فيقول له : لِمَ لا تثيبني؟ إن قلتَ : إنّ القدر يمنعك فقد حللت ما اعتقدت من اختيار الإنسان في أفعاله ، وإن قلتَ : إنّك لا تريد فقد ظلمت الصداقة وأخللت بالمروءة.
وله عدا هذا أبيات صريحة في اعتقاد الاختيار وخلق الإنسان لأفعاله ، كقوله :
لو لا صروفُ الاختيارِ لأعنقُوا |
|
لهوىً كما اتّسقت جمالُ قِطارِ |