بئست لَعَمرُ الله تلكَ طبيعةٌ |
|
حَرَمَت أبانا قُربَ أكرِم جارِ |
واستأسرت ضَعفَى بنيهِ بعدَه |
|
فهمُ لها أسرى بغير إسارِ |
لكنّها مأسورةٌ مقصورةٌ |
|
مقهورةُ السلطانِ في الأحرارِ |
فجسومُهم من أجلِها تهوي بهم |
|
ونفوسُهم تسمو سموّ النارِ |
لو لا منازعةُ الجسومِ نفوسَهم |
|
نفروا بِسَورَتِها من الأقطارِ |
أو قصّروا فتناولوا بأكفّهمْ |
|
قمرَ السماءِ وكلَّ نجمٍ سارِ |
قال الأميني : لقد عزى الكاتب هاهنا إلى المترجَم هنات لا مقيل لها في مستوى الحقيقة ، ومنشأ ذلك بُعده عن علم الأخلاق ، وعدم تعقّله معنى الشعر ، فَحَسِبَهُ منافياً للتوحيد الذي جاء به نبيّ الإسلام ، لكن العارف بأساليب الكلام ، العالم بما جبل به الإنسان من الغرائز المختلفة ، لا يكاد يشكّ في صحّة معنى الشعر ، وهو يعرب عن إلمام ابن الرومي بالأخلاق ، والمتكفّل لتفصيل هذه الجملة كتب الأخلاق وما يضاهيها ، ولخروج البحث عن موضوع الكتاب ضربنا عنه صفحاً.
قال : وابن الرومي كان مفطوراً على التديّن لأنَّه كان مفطوراً على التهيّب والاعتماد على نصير ، وهما منفذان خفيّان من منافذ الإيمان والتصديق بالعناية الكبرى في هذا الوجود ، ومن ثمّ كان مؤمناً بالله خوفاً من الشكّ ، مقبلاً على ال تسليم ، بسيطاً في تسليمه بساطة من يهرب من القلق ويؤثر السكينة على أيّ شيء. وبلغ من بساطته أنَّه كان ينكر على الحكماء الذين يشكّون في حفظ أجساد الأتقياء بعد الموت ويحسبونه من فعل الدواء والحنوط ، فقال لابن أبي ناظرة حين تذوّق بعض الأجساد ليعلم ما فيها من عوامل البقاء :
ياذائق الموتى ليعلمَ هل بقوا |
|
بعد التقادمِ منهمُ بدواءِ |
بيّنتَ عن رعة وصدقِ أمانة |
|
لو لا اتّهامُك خالقَ الأشياءِ |
أحسِبتَ أنّ الله ليس بقادرٍ |
|
أن يجعلَ الأمواتَ كالأحياءِ |
وظننتَ ما شاهدتَ من آياته |
|
بلطيفةٍ من حيلةِ الحكماءِ |