ومات وهو يقول في ساعاته الأخيرة :
ألا إنّ لقاء اللهِ |
|
هولٌ دونه الهولُ |
وما كانت الطِيَرة عنده إلاّ شعبة من ذلك التهيّب الدينيّ الغريزيّ فيه ، فهو يتفلسف ويرى الآراء في الدين ، ولكن في حدودٍ من الشعور لا في حدود من التفكير ، ولهذا كان الفنّان ولم يكن الفيلسوف.
قال الأميني : الطِيَرة ليست من شعب الدين ، ولا يركن إليها أيُّ خاضع له وملء مسامعه قول الصادع به صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طِيَرة ولا حام». وإنّما هي من ضعف النفس غير المتقوّية بنور اليقين ، والتوكّل على الله في ورد وصدر ، ولذا كانت شائعة في الجاهليّة ونفاها الإسلام.
قال : وليس من الاجتراء أنَّه قال بالاختيار ، ورأى له في الدين رأياً غير ما اصطلح عليه السواد ، فإنّه كان يحيل الذنب على الإنسان ، وينفي الظلم عن القدر في العقاب والثواب ، ويتصوّر الله على أحسن ما يتصوّر المتفلسف مثله إلهه ، فكأنّما جاءه هذا الرأي من محاباة عالم الغيب لا من الاجتراء عليه ، وإنّما دفع به إلى رأي المعتزلة مخاوف الشكوك التي كانت تخامره ، فلا يستريح حتى يسكن فيها إلى قرار ، وينتهي فيها إلى برّ الأمان ، ولذلك كان يأوي إلى الأصدقاء يكاشفهم بما في صدره ، ويستعين بهم على تفريج غمّته :
ويدمجُ أسبابَ المودّة بيننا |
|
مودّتُنا الأبرارَ من آلِ هاشمِ |
وإخلاصُنا التوحيدَ لله وحدهُ |
|
وتَذبيبُنا عن دينهِ في المقاومِ |
بمعرفة لا يقرع الشكُّ بابَها |
|
ولا طعنُ ذي طعنٍ عليها بهاجمِ |
وإعمالنا التفكير في كلِّ شبهة |
|
بها حجّة تُعيي دُهاة التراجمِ |
يبيت كلانا في رضى الله ماحضاً |
|
لحجّته صدراً كثير الهماهمِ (١) |
__________________
(١) الهماهم : جمع همهمة ، وهي الكلام الخفيّ.