آليتُ لا أهجو طوا |
|
لَ الدهرِ إلاّ من هجاني |
لا بل سأطّرحُ الهجا |
|
ءَ وإن رماني من رماني |
أمنَ الخلائقُ كُلُّهم |
|
فليأخذوا منّي أماني |
حِلْمي أعزُّ عليَّ من |
|
غضبي إذا غضبي عَراني |
أولى بجهلي بعد ما |
|
مكّنتُ حلمي من عِناني |
وهذا أشبه بابن الرومي لأنَّه في صميمه خُلِق مسالماً سهلاً ، ولم يُخلق شريراً مطويّا على الشكس والعداوة ، بل هو لو كان شرّيراً لما اضطرّ إلى كلّ هذا الهجاء ، أو هو لو كان أكثر شرّا لكان أقلّ هجاءً ، لأنَّه كان يأمن من جانب العدوان فلا يقابله بمثله ، وما كان الهجاء عنده كما قلنا إلاّ سلاح دفاع لا سلاح هجوم ، وما كان هجاؤه يشفُّ عن الكيد والنكاية وما شابههما من ضروب الشرّ المستقرّ في الغريزة ، كما كان يشفُّ عن الحرج والتبرّم والشعور بالظلم الذي لا طاقة له باحتماله ولا باتّقائه ، وكثيرٌ من الأشرار الذين يقتلون ويعتدون ويفسدون في الأرض ، يقضون الحياة دون أن تسمع منهم كلمة ذمٍّ في إنسان ، وكثيرٌ من الناس يذمّون ويتسخّطون لأنّهم على ذلك مطبوعون.
ومن قرأ مراثي ابن الرومي في أولاده ، وأمّه ، وأخيه ، وزوجته ، وخالته ، وبعض أصدقائه ، علم منها أنّها مراثي رجل مفطور على الحنان ورعاية الرحم والأنس بالأصدقاء والإخوان ، فمراثيه هي التي تدلُّ عليه الدلالة المنصفة وليست مدائحه التي كان يمليها الطمع والرغبة ، أو أهاجيه التي كان يمليها الغيظ وقلّة الصبر على خلائق الناس. ففي هذه المراثي تظهر لنا طبيعة الرجل لا تشوبها المطامع والضرورات ، ونرى فيه الولد البارّ ، والأخ الشفيق ، والوالد الرحيم ، والزوج الودود ، والقريب الرؤوف ، والصديق المحزون ، ولا يكون الرجل كذلك ثمّ يكون مع ذلك شرّيراً مغلق الفؤاد ، مطبوعاً على الكيد والإيذاء.