لغم قلعة قاندية فسوف تنسفها جميعا وتجعلها رأسا على عقب وفى تلك الساعة لن يبقى لها من قرار على وجه الأرض.
لكن فى الواقع إننى ما رأيت على وجه الأرض أبنية عظيمة مثلها ، ولله الحمد إنه فى عهد إبراهيم باشا بينما كنا نرعى خيولنا بجوار الأهرام لبثنا أكثر من خمسة أيام للراحة والاستحمام ثم مضينا إلى هناك عدة مرات للفرجة فبلغ منى العجب مبلغه وفى إحدى المرات اتفق أن كان معنا خمسة وأربعون رجلا من رجال الأمير أخور (أى بك الأصطبل) وبهلول أغا وغيرهم وأحضرنا معنا المشاعل والقناديل وقمنا بإزالة ما على الباب الشرقى للهرم الأكبر من رمال تراكمت وعندما دخلناه متعوذين باسم الله نظرت فى البوصلة والساعة ومشينا فى داخله سبعة أقدام ناحية الجنوب فى ممر واسع يعلوه عقود حجرية ترتفع عشرين ذراعا وكان اتساع الممر عشرة أذرع.
وعلى جانبيه عدة كهوف وقاعات وقباب من الحجر مزدانة بنقوش ذهبية وكأنها خرجت لتوها من يد «بهزاد» ، وكانت كل حجرة تغص بعظام وجماجم الآدميين وكل جمجمة منها تتسع لمائة كيلة من القمح ، وكم كان هناك من جماجم مختلفة الأحجام بين كبيرة وصغيرة لا يعلم عددها إلى الله.
وثمة عظمة رفيعة مكسوة بالجلد وهى بمقياس شبرى سبعون شبرا وغير ذلك عظام كثيرة وفى أحد هذه الكهوف العظيمة دفنت كثير من الجثث المحنطة وعدة مئات من الطيور المحنطة بطول سبعين قدما أو أكثر تنبعث منها رائحة كريهة قاتلة كرائحة زبل الغراب وجميعها معلقة من مناقيرها على الصخور. واصطدمت قناديل بعض الرجال بها فاحترقت أجنحتها وريشها فأصاب بعضها وجوهنا ، وفى تلك اللحظة تقهقر بعض رفاقنا بقناديلهم خوفا من أن ينالهم أذى ، ولكنى بقيت مع الخمسة والثلاثين رجلا وسرنا ساعة بكاملها ناحية القبلى بالاستعانة بالبوصلة فوصلنا إلى قاعات ـ غاية فى الفخامة والزخرف ، وفى كل منها جثث محنطة لآدميين منها الراقد ومنها الجالس وأطول هذه الجثث لأناس من رجال يوم القيامة وإلى جانب هذه الجثث حصير بال وليف النخيل المغطى بالرمال وتقدمنا من ذلك الموضع ما يقرب من خمسين قدما فى