هذا نص في محل الخلاف ، فلا ينبغي العدول عنه.
وأما ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال : (اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي ، فأسكني في أحب البلاد إليك (١)) فلا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه ، وسئل عنه الإمام مالك رحمهالله؟ فقال : لا يحل لأحد أن ينسب الكذب الباطل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى تقدير صحته فلا دلالة فيه ؛ إذ العادة والعرف أن الإنسان لا يسأل ما أخرج منه ، فإنه قال : أخرجني منها فأسكني ، فدل على إرادة غير المخرج منه ، فتكون مكة مسكوتا عنها [من الحديث]. كذا قال المحب الطبري رحمهالله تعالى (٢).
وأما حديث : (المدينة خير من مكة) فضعيف ، بل قيل بوضعه (٣).
وأما ما في الصحيحين من قوله صلىاللهعليهوسلم : (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة (٤)) فهو ونحوه إنما يدل على فضيلتها لا أفضليتها كما لا يخفى. كذا قال الفخر العلامة ابن ظهيرة (٥).
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : (اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد) وفي رواية (لأشد) فذلك تسلية عنها بعد وجود المانع من سكناها. والله أعلم.
__________________
(١) أورده صاحب مرقاة المصابيح ، وقال : «فقد أجمعوا على أنه موضوع كما قاله ابن عبد البر وابن دحية ...» ٥ / ٦١٢.
(٢) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٧ ـ ٦٨.
(٣) الحديث رواه الطبراني ، وفيه ممد بن عبد الرحمن بن دواد ، وهو مجمع على ضعفه ، كما ذكر الهيثمي في المجمع ، ٣ / ٢٩٩.
(٤) أخرجه البخاري (١٨٨٥) ، مسلم (١٣٦٩).
(٥) الجامع اللطيف ص ١٤٠ ـ ١٤٣.