[٢٩٩] [رقة القلوب في زيارة القبور] :
وفي رواية الحاكم عن أنس : (فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ، لا تقولوا هجرا (١)) يعني سوءا ، قال القرطبي : قال العلماء رحمهمالله تعالى : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور ، وخاصة إن كانت قاسية. انتهى.
فينبغي لمن عزم على الزيارة : أن يتأدب بآدابها ، ويحضر قلبه في إتيانها ، ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط ، فإن هذه حالة تشاركه فيها بهيمة ، ونعوذ بالله من ذلك ، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى ، وإصلاح فساد قلبه ، أو نفع الميت بما يتلو عنده من القرآن.
[٣٠٠] [النية في الزيارة] :
ويزور كما تقدم ، ثم يعتبر بمن صار تحت التراب ، وانقطع عن الأهل والأحباب ، بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر ، وجمع الأموال والذخائر ، فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه ، وهول لم يرتقبه ، فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ، ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال ، وجمعوا الأموال ، كيف انقطعت آمالهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ، ومحا التراب محاسن وجوههم ، وافترقت في القبور أجزاؤهم ، وترمّل بعدهم نساؤهم ، وشمل الذل أولادهم ، واقتسم غيرهم طريقهم وقلادهم ، وليتذكر ترددهم في المآرب ، وحرصهم على نيل المطالب واتجارهم لمواتات الأسباب ، وركونهم إلى الصحة والشباب.
__________________
(١) المستدرك ، ٤ / ٣٣٠.