وقال السهيلي رحمهالله : روي في تفسير أن الله تعالى لما قال للسموات والأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) [فصلت] ، لم يجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم ؛ فلذلك حرمها ، فصارت حرمتها كحرمة المؤمن ، إنما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه ، وأرض الحرم لما قالت أتينا طائعين ، حرم صيدها وشجرها وخلاها ، فلا حرمة إلا لذي طاعة ، جعلنا الله من أهل طاعته.
[٢٢٤] [تجديد الأنصاب] :
وأول من نصبها : الخليل عليهالسلام بتوقيف جبريل عليهماالسلام ، ثم جددها قصى بن كلاب بعده ، وقيل : بل جددها إسماعيل بعد أبيه عليهماالسلام ، ثم قصي بعده ، وقيل : أول من نصبها عدنان ابن الدحيل ؛ لخوفه أن يدرس الحرم ، ثم نزعتها قريش بعد ذلك ، والنبي صلىاللهعليهوسلم كان بمكة قبل الهجرة ، فاشتد ذلك عليه ، فجاءه جبريل وأخبره أنهم سيعيدونها ، فرأى عدة من قريش في المنام كأن قائلا يقول : حرم أعزكم به ومنعكم نزعتم أنصابها ، الآن تخطفكم العرب ، فأعادوها ، فأخبر جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال : هل أصابوا في ذلك؟ فقال : ما وضعوا نصبا إلا بيد ملك ، ثم جددت عام الفتح بأمره صلىاللهعليهوسلم ، وجددت أيضا في زمن عمر ، وعثمان ، ومعاوية ، وعبد الملك بن مروان ، والمهدي العباسي (١).
[٢٢٥] [خصائص الحرم] :
وأما فضله فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) [العنكبوت ٦٧] وقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) [القصص].
__________________
(١) الأزرقي ٢ / ١٣٠.