وقد اتخذ ابن عباس ـ رضياللهعنهما ـ لأجل ذلك الطائف دارا ، وقال : «لأن أذنب خمسين بركية أحبّ إلى من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة» (١). و (ركية) موضع بالطائف.
وأجاب الأولون : بأن ما يخاف من سيئة ، فيقابل ما يرجى من حسنة ، قال الملا علي : ثم هذا كله باعتبار المخلطين لا المخلصين ممن تضاعف لهم الحسنات ، من غير ما يحبطها من السيئات ، فإن الإقامة من أفضل العبادات بلا نزاع ، فالمقام بمكة حينئذ هو الفوز العظيم بالإجماع ، لكن لا يقدر على حق هذه الإقامة ورعاية الحرمة إلا الأفراد من عباد لله المخلصين ، من مقتضيات الطباع ، وهذا كما قال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) [ص : ٢٤ الآية] ، فلا يبنى حكم الفقه باعتبارهم ، ولا يذكر حالهم قيدا في جواز غيرهم ، إذ لا يقاس الحدادون بالملوك ونحوهم ، ولا عبرة بما يقع للنفوس من الدعوى الكاذبة ، والمبادرة إلى دعوى الملكة والقدرة على شروط المجاورة ، فإنها لأكذب ما يكون إذا حلفت ، فكيف إذا ادّعيت ، وما أيسر الدعوى وما أعسر المعنى ، وهذا قول الإمام الأعظم بكراهة المجاورة في الحرم المحترم ، بالنسبة إلى زمانه الأقدم ، ولو شاهد ما أدركناه من أحوال المجاورين في هذه الأيام ، وما اختاروه من أكل وظائف الحرم ، وما ظهر عليهم من عدم القيام بتعظيم المقام ، لقال بحرمة المجاورة من غير شك وشبهة في هذا الكلام ، وحسبنا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ونحن من الملتجئين إلى بابه ، المضطرين إلى جنابه ، المستحقين لعتابه وعقابه ، الراجين إلى عفوه وكرمه على بابه ، القائلين حال دعائه وخطابه :
__________________
(١) مرقاة المفاتيح ٥ / ٦١٣.