لا تناقض في فعل النبي صلىاللهعليهوآله :
وقد رأينا : أن هؤلاء الوافدين قد خبأوا لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» عين جرادة في ظرف سمن ، فإن أخبرهم به آمنوا ..
ولكنه «صلىاللهعليهوآله» لم يستجب لهم ، وأظهر لهم عوضا عنه معجزة تسبيح الحصى بيديه ، في حين أنه استجاب لاختبار غيرهم ، كما تقدم معنا. وأظهر الخبء لهم.
ولعل سبب ذلك هو : أن الكهان كانوا يستفيدون من بعض شياطين الجن ، فيخبرونهم ببعض الأمور التي يرون أنها قد حصلت أو غيرها ، مما يتمكنون من الوصول إليه والحصول عليه ، ولو باستراق السمع لما يتحدث به الملائكة في السماء. ثم يجعلون ذلك مبررا لإطلاق دعاوى أوسع وأكبر ، مثل علمهم بالأسرار ، وبما يأتي في المستقبل (١).
فإذا تكرر منه «صلىاللهعليهوآله» الإخبار عن الخبء ، فقد يتكون انطباع خاطئ يؤدي إلى جعله «صلىاللهعليهوآله» في مصاف الكهان لدى بعض الناس الذين لاحظ لهم من العلم والمعرفة ، وتؤثر عليهم التلقينات ، وتأخذ بألبابهم الشائعات ، ولا يملكون القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، وبين الدر والصدف ، وبين الأصيل والزائف ..
فكان لا بد من إظهار معجزة لا سبيل فيها إلى اللبس ، ولا محل فيها للشبهة ، لتكون سبيل هداية ، ومنشأ حصانة لما أخبر به وعنه سابقا ، ولما قد
__________________
(١) وقد قيل : إن الفرق بين العرّاف والكاهن : أن الكاهن يخبر عما مضى ، والعرّاف يخبر عما يأتي. راجع : أقرب الموارد ، مادة كهن ج ٢ ص ١١١٠ عن كليات أبي البقاء.