ولو قبلنا أن الداريين قد وفدوا إليه «صلىاللهعليهوآله» مرتين ، فالسؤال هنا هو : لماذا تأخرت وفادتهم الثانية إلى سنة تسع بعد الهجرة ، مع أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال لهم : «انصرفوا حتى تسمعوا أني هاجرت».
فهل هم لم يسمعوا بهجرته طيلة هذه السنين؟! أو أنهم سمعوا بها وتهاملوا في تنفيذ أمر النبي «صلىاللهعليهوآله»؟! أو أنهم نسوا هذا الأمر ، ثم تذكروه بعد كل هذه السنين ، وما هو الشاهد على أي من هذه الإحتمالات أو غيرها؟! نقول هذا ، لأننا نستبعد أن يفدوا إليه «صلىاللهعليهوآله» وهو في مكة : ولو أنهم فعلوا ذلك لوجدت المشركين يتحلقون حولهم ، ويضايقونهم ويؤذونهم ، ولكان ذلك قد تناقلته الرواة على نطاق واسع.
إقطاع قريتين لتميم :
ولابد من الإشارة هنا إلى أن إقطاع قريتين معمورتين ، ولهما أهل لتميم ولمن معه ليس بالأمر الذي يمكن قبوله بعفوية وسذاجة ، وذلك للأسباب التالية :
أولا : لأن الإقطاع إنما كان للأرض الموات ونحوها مما هجره أهله ، إذ لا معنى لإعطاء قريتين لهما غلة حاضرة ، ونفع ظاهر لرجل واحد ، وحرمان سائر المسلمين منهما ، فكيف إذا كان ذلك قبل أن تفتح تلك البلاد ، وقبل أن يأخذها المسلمون.
ثانيا : من الذي يضمن أن تصبح هاتان القريتان في قبضة المسلمين بحيث يصح منحهما لهذا أو ذاك ، إذ لعل أهلها يسلمون عليها ، وتبقى لهم وفي يدهم.