المتنافسين فهو تعميم بعد تخصيص ، وإما أن تكون الفاء فاء جواب لشرط مقدر في الكلام يؤذن به تقديم المجرور لأن تقديم المجرور كثيرا ما يعامل معاملة الشرط ، كما روي قول النبيصلىاللهعليهوسلم : «كما تكونوا يولّ عليكم» بجزم «تكونوا» و «يولّ» ، فالتقدير : إن علمتم ذلك فليتنافس فيه المتنافسون. وإما أن تكون الفاء تفريعا على محذوف على طريقة الحذف على شريطة التفسير ، والتقدير : وتنافسوا صيغة أمر في ذلك ، فليتنافس المتنافسون فيه ، ويكون الكلام مؤذنا بتوكيد فعل التنافس لأنه بمنزلة المذكور مرتين ، مع إفادة التخصص بتقديم المجرور.
وجملة : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) معترضة بين جملة : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) إلخ وجملة : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ).
والتنافس : تفاعل من نفس عليه بكذا إذا شح به عليه ولم يره أهلا له وهو من قبيل الاشتقاق من الشيء النّفيس ، وهو الرفيع في نوعه المرغوب في تحصيله. وقد قيل : إن الأصل في هذه المادة هو النفس. فالتنافس حصول النفاسة بين متعدد.
ولام الأمر في (فَلْيَتَنافَسِ) مستعملة في التحريض والحث.
و (مِزاجُهُ) : ما يمزج به. وأصله مصدر مازج بمعنى مزج ، وأطلق على الممزوج به فهو من إطلاق المصدر على المفعول ، وكانوا يمزجون الخمر لئلا تغلبهم سورتها فيسرع إليهم مغيب العقول لأنهم يقصدون تطويل حصة النشوة للالتذاذ بدبيب السكر في العقل دون أن يغتّه غتّا فلذلك أكثر ما تشرب الخمر المعتقة الخالصة تشرب ممزوجة بالماء. قال كعب بن زهير :
شجّت بذي شبم من ماء محقبة |
|
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول |
وقال حسان :
يسقون من ورد البريض عليهم |
|
بردى يصفّق بالرحيق السّلسل |
وتنافسهم في الخمر مشهور من عوائدهم وطفحت به أشعارهم. كقول لبيد :
أغلي السّباء بكل أدكن عاتق |
|
أو جونة قدحت وفض ختامها |
و (تَسْنِيمٍ) علم لعين في الجنة منقول من مصدر سنّم الشيء إذا جعله كهيئة السّنام. ووجهوا هذه التسمية بأن هذه العين تصبّ على جنانهم من علوّ فكأنها سنام. وهذا العلم عربي المادة والصّيغة ولكنه لم يكن معروفا عند العرب فهو مما أخبر به القرآن ، ولذا قال