وقيل : أمية بن خلف عن مقاتل والكلبي ، وقيل : أبيّ بن خلف عن الكلبي أيضا وإنما هؤلاء المسمّون أعلام التضليل. قال ابن عطية : ومن حيث كان هذا غالبا على الكفّار جاء التوبيخ في هذه الآية باسم الجنس إذ يقع (كذا) بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع ا ه.
واعلم أن من ضلال أهل الشرك ومن فتنة الشيطان لبعض جهلة المؤمنين أن يخيل إليهم ما يحصل لأحد بجعل الله من ارتباط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها فيضعوا ما يصادف نفع أحدهم من الحوادث موضع كرامة من الله للذي صادفته منافع ذلك ، تحكيما للشاهية ومحبة النفس ورجما بالغيب وافتياتا على الله ، وإذا صادف أحدهم من الحوادث ما جلب له ضرّا تخيّله بأوهامه انتقاما من الله قصده به ، تشاؤما منهم.
فهؤلاء الذين زعموا ما نالهم من نعمة الله إكراما من الله لهم ليسوا أهلا لكرامة الله.
وهؤلاء الذين توهموا ما صادفهم من فتور الزرق إهانة من الله لهم ليسوا بأحط عند الله من الذين زعموا أن الله أكرمهم بما هم فيه من نعمة.
فذلك الاعتقاد أوجب تغلغل أهل الشرك في إشراكهم وصرف أنظارهم عن التدبر فيما يخالف ذلك ، وربما جرت الوساوس الشيطانية فتنة من ذلك لبعض ضعفاء الإيمان وقصار الأنظار والجهال بالعقيدة الحق كما أفصح أحمد بن الرّاوندي (١). عن تزلزل فهمهم وقلة علمهم بقوله :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه |
|
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا |
هذا الذي ترك الأفهام حائرة |
|
وصيّر العالم النحرير زنديقا |
وذلك ما صرف الضالين عن تطلب الحقائق من دلائلها ، وصرفهم عن التدبر فيما ينيل صاحبه رضى الله وما يوقع في غضبه ، وعلم الله واسع وتصرفاته شتّى وكلها صادرة عن حكمة (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٥٥]. فقد يأتي الضر للعبد من عدة أسباب وقد يأتي النفع من أخرى. وبعض ذلك جار في الظاهر على المعتاد ، ومنه ما فيه سمة خرق العادة. فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد ، والموفق يتيقظ للأمارات
__________________
(١) هو أحمد بن يحيى أبو الحسين ابن الراوندي بواو مفتوحة ثم نون ساكنة نسبة إلى راوند قرية من قرى قاسان بنواحي أصبهان. كان من المعتزلة ثم صار ملحدا توفي سنة خمسين ومائتين ، وقيل سنة خمس وأربعين وقيل سنة ثمان وتسعين.