بأزمان المغيّا لا في تنهيته وحصول ضده لأنهم إذا صاروا إلى المقابر انقطعت أعمالهم كلها.
ولكون زيارة المقابر على هذا الوجه عبارة عن الحلول فيها ، أي قبور المقابر. وحقيقة الزيارة الحلول في المكان حلولا غير مستمر ، فأطلق فعل الزيارة هنا تعريضا بهم بأن حلولهم في القبور يعقبه خروج منها.
والتعبير بالفعل الماضي في (زُرْتُمُ) لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه مثل : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١].
ويحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر به الدالّ عليه التكاثر ، أي بكل شيء حتى بالقبور تعدونها. وهذا يجري على ما روى مقاتل والكلبي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بكثرة السادة منهم ، كما تقدم في سبب نزولها آنفا ، فتكون الزيارة مستعملة في معناها الحقيقي ، أي زرتم المقابر لتعدّوا القبور ، والعرب يكنّون بالقبر عن صاحبه قال النابغة :
لئن كان للقبرين قبر بجلّق |
|
وقبر بصيداء الذي عند حارب |
وقال عصام بن عبيد الزّمّاني ، أو همّام الرّقاشي :
لو عدّ قبر وقبر كنت أقربهم |
|
قبرا وأبعدهم من منزل الذّام |
أي كنت أقربهم منك قبرا ، أي صاحب قبر.
و (الْمَقابِرَ) : جمع مقبرة بفتح الموحدة وبضمها. والمقبرة الأرض التي فيها قبور كثيرة.
والتوبيخ الذي استعمل فيه الخبر أتبع بالوعيد على ذلك بعد الموت ، وبحرف الزجر والإبطال بقوله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فأفاد (كَلَّا) زجرا وإبطالا لإنهاء التكاثر.
و (سَوْفَ) لتحقيق حصول العلم. وحذف مفعول (تَعْلَمُونَ) لظهور أن المراد : تعلمون سوء مغبّة لهوكم بالتكاثر عن قبول دعوة الإسلام.
وأكد الزجر والوعيد بقوله : (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فعطف عطفا لفظيّا بحرف التراخي أيضا للإشارة إلى تراخي رتبة هذا الزجر والوعيد عن رتبة الزجر والوعيد الذي قبله ، فهذا زجر ووعيد مماثل للأول لكن عطفه بحرف (ثُمَ) اقتضى كونه أقوى من الأول لأنه أفاد تحقيق الأول وتهويله.