والعدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر في قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) دون : فصلّ لنا ، لما في لفظ الرب من الإيماء إلى استحقاقه العبادة لأجل ربوبيته فضلا عن فرط إنعامه.
وإضافة (رب) إلى ضمير المخاطب لقصد تشريف النبي صلىاللهعليهوسلم وتقريبه ، وفيه تعريض بأنه يربّه ويرأف به.
ويتعين أن في تفريع الأمر بالنحر مع الأمر بالصلاة على أن أعطاه الكوثر خصوصية تناسب الغرض الذي نزلت السورة له ، ألا ترى أنه لم يذكر الأمر بالنحر مع الصلاة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) في سورة الحجر [٩٧ ، ٩٨].
ويظهر أن هذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عن صدّ المشركين إيّاه عن البيت في الحديبية ، فأعلمه الله تعالى بأنه أعطاه خيرا كثيرا ، أي قدره له في المستقبل وعبر عنه بالماضي لتحقيق وقوعه ، فيكون معنى الآية كمعنى قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [الفتح : ١] فإنه نزل في أمر الحديبية فقد قال له عمر بن الخطاب : أفتح هذا؟ قال : نعم.
وهذا يرجع إلى ما رواه الطبري عن قول سعيد بن جبير : أن قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أمر بأن يصلي وينحر هديه وينصرف من الحديبية.
وأفادت اللام من قوله : (لِرَبِّكَ) أنه يخص الله بصلاته فلا يصلي لغيره. ففيه تعريض بالمشركين بأنهم يصلون للأصنام بالسجود لها والطواف حولها.
وعطف (وَانْحَرْ) على (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) يقتضي تقدير متعلّقه مماثلا لمتعلّق (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) لدلالة ما قبله عليه كما في قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] أي وأبصر بهم ، فالتقدير : وانحر له. وهو إيماء إلى إبطال نحر المشركين قربانا للأصنام فإن كانت السورة مكية فلعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اقترب وقت الحج وكان يحج كل عام قبل البعثة وبعدها قد تردد في نحر هداياه في الحج بعد بعثته ، وهو يود أن يطعم المحاويج من أهل مكة ومن يحضر في الموسم ويتحرج من أن يشارك أهل الشرك في أعمالهم فأمره الله أن ينحر الهدي لله ويطعمها المسلمين ، أي لا يمنعك نحرهم للأصنام أن تنحر أنت ناويا بما تنحره أنه لله.
وإن كانت السورة مدنية ، وكان نزولها قبل فرض الحج كان النحر مرادا به الضحايا يوم عيد النحر ولذلك قال كثير من الفقهاء إن قوله : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) مراد به صلاة العيد،