و (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) عرض وترغيب قال تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤].
وقوله : (هَلْ لَكَ) تركيب جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا التركيب لأنه قصد به الإيجاز يقال : هل لك إلى كذا؟ وهل لك في كذا؟ وهو كلام يقصد منه العرض بقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل؟ ومنه قول كعب :
ألا بلّغا عني بجيرا رسالة |
|
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا |
بضم تاء (قلت). وقول بجير أخيه في جوابه عن أبياته :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي |
|
تلوم عليها باطلا وهي أحزم |
و (لَكَ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : هل لك رغبة في كذا؟ فحذف (رغبة) واكتفي بدلالة حرف (في) عليه ، وقالوا : هل لك إلى كذا؟ على تقدير : هل لك ميل؟ فحذف (ميل) لدلالة (إلى) عليه.
قال الطيبي : «قال ابن جني : متى كان فعل من الأفعال في معنى فعل آخر فكثيرا ما يجرى أحدهما مجرى صاحبه فيعوّل به في الاستعمال إليه (كذا) ويحتذى به في تصرفه حذو صاحبه وإن كان طريق الاستعمال والعرف ضده مأخذه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) وأنت إنما تقول : هل لك في كذا؟ لكنه لما دخله معنى : آخذ بك إلى كذا أو أدعوك إليه ، قال : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) وقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة : ١٨٧] لا يقال : رفثت إلى المرأة ، إنما يقال : رفثت بها ، ومعها ، لكن لما كان الرفث في معنى الإفضاء عدّي ب (إلى) وهذا من أسدّ مذاهب العربية ، لأنه موضع يملك فيه المعنى عنان الكلام فيأخذه إليه» ا ه. قيل : ليس هذا من باب التضمين بل من باب المجاز والقرينة الجارة.
و (تَزَكَّى) قرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب بتشديد الزاي على اعتبار أن أصله : تتزكى ، بتاءين ، فقلبت التاء المجاورة للزاي زايا لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الزاي. وقرأه الباقون بتخفيف الزاي على أنه حذفت إحدى التاءين اقتصارا للتخفيف.
وفعل (تَزَكَّى) على القراءتين أصله : تتزكى بتاءين مضارع تزكّى مطاوع زكاه ، أي جعله زكيا.
والزكاة : الزيادة ، وتطلق على الزيادة في الخير النفساني قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ