وبعد أن تعرّفنا على هذين المعنيين للإرادة الإلهية نتساءل : هل أن المراد بالإرادة الإلهية في آية التطهير هي الإرادة التشريعية أو التكوينية؟ أي أن الله تعالى هل أراد من أهل البيت أن يعيشوا الطهارة والابتعاد عن الرجس والرذائل ، أو أن الله تعالى هو الذي سيقوم بتطهير هؤلاء الأشخاص من الرجس والرذيلة؟
الجواب : بلا شكّ أن المراد هنا الإرادة التكوينية ، لأن الأمر بالطهارة والتقوى لا يختص بأهل البيت بل هو دستور عام وتشريع شامل لجميع المسلمين ، في حين أننا قرأنا سابقاً أن مقتضى كلمة «إنّما» هو الحصر بدائرة معيّنة ، وهم أهل البيت عليهمالسلام ولا يشمل جميع المسلمين.
والنتيجة هي أن الله تعالى بإرادته التكوينية أراد أن يسجّل فضيلة وموهبة اخرى لأهل البيت عليهمالسلام ويمنحهم «العصمة» في واقعهم الروحي وملكاتهم الأخلاقية بحيث يبتعدون عن كلّ رجس ورذيلة ويعيشون الطهارة من الذنوب والخطايا.
سؤال : هل أن العصمة في هؤلاء المعصومين تتمتع بحالة من الجبر؟
وبعبارة اخرى : هل أن هؤلاء العظماء يجتنبون المعاصي والذنوب من دون اختيار منهم؟ فلو كان كذلك فإنّ العصمة لا تعني شيئاً في دائرة الامتياز الأخلاقي والإيماني.
الجواب : إنّ الشيء إذا كان محالاً في دائرة أعمال الإنسان فهو على قسمين : ١ ـ المحال العقلي ، ٢ ـ المحال العادي.
«المحال العقلي» هو أن يكون وقوع الشيء محالاً كأن تكون هذه اللحظة من الزمان ليلاً ونهاراً في آن واحد ، فهذا عقلاً محال ، أو تقرأ كتاباً عدد صفحاته ٤٠٠ و ٥٠٠ صفحة في نفس الوقت ، فهذا من المحال عقلاً لأنه جمع بين النقيضين والجمع بين النقيضين محال عقلاً (١).
ولكن تارة يكون وقوع العمل ممكن عقلاً ولكنه عادة ممتنع ، ومثاله أن كلُّ إنسان عاقل لا يظهر في الشارع وأمام الناس عارياً ، فهذه المسألة ممكنة عقلاً ولكنها محالٌ عادةً ، وعليه
__________________
(١) للتعرف أكثر على هذا الاصطلاح المنطقي يراجع كتاب «التعرف على العلوم الإسلامية ، المنطق والفلسفة» للشهيد العلّامة المطهري : ص ٦٥ فما بعد.