(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)(١)
فطبقاً لهذه الآية الشريفة فإنّ أبناء يعقوب سجدوا ليوسف ، فلو كان السجود لغير الله شركاً ، فكيف نفسر ما ورد في هذه الآية الشريفة؟
٣ ـ عند ما ورد بنو إسرائيل بيت المقدّس فإنّ الآية تذكر هذه الواقعة وأن بني إسرائيل سجدوا عند ورودهم المعبد في بيت المقدّس كما نقرأ ذلك في الآية ٥٨ من سورة البقرة :
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)
والخلاصة أن هذه الآيات الثلاث تتحدّث عن السجود لغير الله فكيف يتناغم ذلك مع التوحيد في العبادة؟
الجواب : تقدم أن حرمة الشرك وعدم جواز السجود لغير الله واختصاص العبادة بالله تعالى إنّما هو قانون كلّي لا يقبل الاستثناء ، فالشرك لا يمكن أن يتواءم مع التوحيد في أي مرتبة من مراتبه ، وعليه فإنّ السجود الوارد في الآيات المذكورة لا يعني العبادة بل هو سجود الشكر والتعظيم لله تعالى على نعمه ومواهبه العظيمة.
عند ما سجد الملائكة لآدم ففي الحقيقة أنهم سجدوا لله تعالى الذي خلق مثل هذا المخلوق العظيم ، إذن فالسجود في الواقع كان لله تعالى ولكن بسبب خلق آدم.
وهكذا في اخوة يوسف فإنهم سجدوا شكراً لله تعالى لأجل النعمة العظيمة التي أولاها الله تعالى لأخيهم يوسف ، ولأجل نجاتهم من الحياة الصعبة والشاقّة في صحراء كنعان ورؤيتهم أخيهم بعد سنوات من الفراق وبالتالي انتقالهم إلى مصر ليعيشوا حياة طيبة ومرفهة وكريمة ، فلأجل ذلك سجدوا شكراً لله تعالى ، كما هو الحال في بني إسرائيل الذين سجدوا لله تعالى لا لمسجد بيت المقدّس.
عند ما يقوم المسلمون والحجاج بأداء صلاة الجماعة حول الكعبة ويسجدون لله تعالى في صلاتهم هذه أمام بيت الله الحرام ، فهل معنى هذا أنهم سجدوا للكعبة ، أو أن أحداً من المسلمين لا يسجد للكعبة بل يسجد لله تعالى ويعبده وحده ولكن في مقابل الكعبة؟
__________________
(١) سورة يوسف : الآية ١٠٠.