أي أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين لم يقبلوا بالإسلام وكذلك المشركون وعبادة الأوثان يشتركون في العاقبة والمصير الاخروي فجميعهم يردون جهنم خالدين فيها.
(أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)
وهذا هو السبب في أنهم مخلّدون في نار جهنم ، وكأن هذه الجملة وردت في مقام الدليل لبيان سبب خلود هؤلاء في نار جهنم (١).
ويستفاد من الآيات السابقة لهذه الآية الشريفة أن هؤلاء ليسوا من الكفرة العاديين بل هم طائفة من الكفّار الذين فهموا الرسالة الإلهية واتّضحت لديهم الحجّة والبيّنة وعلموا بحقّانيّة الإسلام والرسالة السماوية ولكنّهم مع ذلك أصرّوا على عنادهم ولجاجتهم وانطلقوا في عداءهم مع الحقّ والعدل من موقع الخصومة والعدالة ، وعليه فإنّ هذه الآية لا تشمل كلُّ الكفّار والمشركين وأهل الكتاب حتّى لو تحرّكوا في خطّ الباطل والكفر من موقع الجهل والغفلة ، فالخطأ الذي ينطلق من موقع الغفلة والاندفاع العفوي ليس كالخطإ الذي ينطلق من موقع التمرّد والجحود مع وعي الموقف ووضوح الرؤية.
وبعد أن ذكرت الآية الشريفة شرّ المخلوقات تحرّكت الآية التي بعدها لبيان أفضل المخلوقات وقالت :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)
فقد ذكرت هذه الآية الشريفة لأفضل مخلوقات الله ثلاث صفات وخصوصيات :
١ ـ «الَّذينَ آمَنُوا» فالخصوصية الاولى لهؤلاء هي إيمانهم بالله تعالى والنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ويوم القيامة ، وعليه فإنّ المشركين وجميع الأشخاص الذين لا يدينون بدين الإسلام خارجون عن هذه الدائرة ولا يتّصفون بهذه الصفة الكريمة.
__________________
(١) عبارة «اولئك هم شرّ البريّة» عبارة قارعة مثيرة ، وتعني أنّه لا يوجد بين الأحياء وغير الأحياء موجود أقل وأسوأ من الذين تركوا الطريق المستقيم بعد وضوح الحقّ وإتمام الحجّة وساروا في طريق الضلال ، مثل هذا المعنى ورد أيضاً في قوله تعالى : «إنّ شرّ الدواب عند الله الصمّ البكم الذين لا يعقلون» الأنفال : ٢٢. وكذلك في قوله سبحانه يصف أهل النار : «اولئك كالأنعام بل هم أضلّ اولئك هم الغافلون» الأعراف : ١٧٩. وهذه الآية مورد البحث تذهب في وصف هؤلاء المعاندين إلى أبعد ممّا تذهب إليه غيرها ، لأنها تصفهم بأنهم شرّ المخلوقات. (التفسير الامثل : ج ٢٠ ، ص ٣٦٤ ، ذيل الآية).