وبعد ان تنتهي الآية الشريفة من تعريف «خير البريّة» وتبيين صفاتهم وخصائصهم تتعرض كذلك لبيان أجرهم وثوابهم عند الله وتقول :
(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)
إنّ ثواب «خير البريّة» في الدار الآخرة يتضمن الثواب المادي والمعنوي على السواء ، لأن الإنسان مركّب من جسم وروح ، فجسمه يطلب الثواب المادي ، وروحه تشتاق إلى الثواب المعنوي.
أما الثواب المادي لهؤلاء الصالحين فهو عبارة عن الجنّة الخالدة والبساتين اليانعة التي تجري من تحت أشجارها الأنهار (١) والمياه العذبة بصورة دائمة.
البساتين على نحوين :
١ ـ البساتين التي تردُّ إليها المياه من خارجها ويتمُّ سقي أشجارها بالماء بين كلِّ حين وآخر وعلى فواصل زمنيّة معيّنة ، فالمياه لا تجري دائماً في جداولها وسواقيها.
٢ ـ البساتين التي تتوفر فيها المياه بصورة دائمة وتجري في سواقيها وبين أشجارها ، وبلا شك أن مثل هذه البساتين تنعم أشجارها بطراوة خاصّة ومشهد جذّاب ولا يخشى عليها الجفاف والذبول ، فبساتين الجنّة التي تقدّم وصفها في الآية الشريفة هي من النوع الثاني ، فهي خضراء يانعة دائماً.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) فكما أن الكفّار والمشركين وأهل الكتاب الذين وقفوا من الرسالة الإلهية موقف المعاند والعدو مخلدون في نار جهنم ، وكذلك المؤمنون الذين يعيشون الإحساس بالمسئولية ويترجمون إيمانهم وإحساسهم هذا على مستوى الممارسة والأعمال الصالحة هم مخلدون في الجنّة أيضاً.
(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وتشير هذه الجملة إلى الثواب المعنوي لهؤلاء المؤمنين ، وهو أن الله تعالى ينعم عليهم بالمواهب الاخروية العظيمة إلى درجة أنهم يعيشون الرضا والسرور الفائق ، ومن جهة اخرى فإنّ لطف الله تعالى ورحمته بهؤلاء يبلغ إلى الحدّ الذي يرضى الله عزوجل عنهم.
__________________
(١) صفة «الخلود» يمكن استفادتها من كلمة «عدن» بمعنى الخالدة ، ويقال «معدن» للأشياء المعدنية الثابتة والمستقرة في ذلك المكان بصورة دائمية.