الجنة ليرثه المؤمن ، لأن النار منزل الكافر بكفره ، فهو يختص به بالأصالة لا بالوراثة ، كما أنّ الجنّة منزل المؤمن بإيمانه ، فهو يحصل عليه بالأصالة لا بالوراثة ، بل المراد ، على تقدير صحة الرواية ، أن الجنة والنار معدّتان لمن يعمل بما يؤدي إليهما ، فليست الجنة مكتوبة لشخص معين من ناحية ذاتية ، كما أن النار غير مختصة بفرد معين من ناحية ذاتية ، بل القضية تابعة للاختيار بإرادة الإيمان والعمل الصالح أو الكفر والعمل السيئ ، فهناك إمكانية الوصول لكل منهما ، فإذا حدثت الفعلية كان كل واحد منهما بمنزلة الوارث لمكان الآخر ، باعتبار أنه في معرض الصيرورة منه ، ولكن يبقى في المناسبة ، في حديث الرواية ، خفاء مما تردّ به إلى أهلها.
* * *
صورة المكذّبين بآيات الله
توضح الآيات الكريمة صورة المكذّبين بآيات الله ، أو الذين افتروا كذبا على الله ، انطلاقا من الأجواء المضلّلة التي خلقوها وعاشوا فيها ، لإبعاد الناس عن صفاء الفطرة ووضوح الرؤية للأشياء ، في ما يخلطونه بالباطل من قضايا الحق ، وما يثيرونه في أفكارهم من شكوك وشبهات ، وما يوحون إليهم به من أوهام وتعقيدات ، فتتضخّم شخصياتهم ، وتؤدّي بهم إلى الانحراف عن الحقيقة ، في زهو وخيلاء ، وتقودهم إلى متاهات الكبرياء ... وهكذا تتجسّد الصورة ، وتتعاظم في مدلولاتها ؛ فإذا بالموقف من هؤلاء يمثل أفظع الظلم ، لأنه يسيء إلى خالق الحقيقة من جهة ، وإلى الحقيقة من جهة أخرى ... ولكنها ـ مع ذلك ـ الصورة التي تضيع معها أحلام الإنسان وطموحاته في الهواء ، لتتحول إلى ورقة تهرب منه كلما عصفت الرياح ، وكلما امتد به الطريق أو تعقّدت في داخله الحيرة.