سبل إغناء تجربة الإنسان المؤمن في حركة الحياة.
* * *
هل هناك صراع بين الإنسان والطبيعة؟
ربما نستوحي من هذه الآية ما استوحاه بعض المفسرين ـ وهو سيد قطب ـ أن الله خلق الأرض في طاقاتها المتنوعة والإنسان في إمكاناته العقلية والجسدية وجعل بينهما نوعا من العلاقة ، بحيث سخّر الأرض في امتداداتها التحتية والفوقية وآفاقها الفضائية ، للقدرة الإنسانية ، وأعطى الإنسان الإمكانات الواسعة في عقله وجسده التي يستطيع بها ان يكشف عن أسرارها ويسيطر على مواقعها ويحرك طاقاتها ، ليستفيد منها في إغناء حياته وليمنحها من فكره الكثير من حركة الإبداع الذي يطورها ويحولها إلى عنصر متحرك منتج صديق للإنسان لا عدو له ، وعلى ضوء هذا تنطلق النظرية الإسلامية التي تتحدث عن التكامل بين الإنسان والطبيعة ، خلافا للنظرية الغربية المادية التي تتحدث عن صراع بينها وبينه ، بحيث يتحول الإنسان الذي قد يسيطر على بعض أسرارها وطاقاتها إلى قاهر لها ، وتتحول هي عند سقوطه أمامها إلى قاهرة له.
إنّ الإسلام من خلال هذا الحديث عن التمكين الإلهي والتسخير الربوبي يؤكد نظرية التنوع في الوجود ، في الإنسان والطبيعة ، بحيث يسير نحو التوحد مع حركية الخصائص المتنوعة في داخله أما الجهد والتعقيد في الوصول إلى فعلية التكامل ، فإنه من لوازم السنة الإلهية في حاجة الإنسان ، للوصول إلى ما يريد ، إلى الكثير من الحركة والصعوبة التي تكلفه الكثير من الجهد والتضحيات ، لأن الله أراد للأشياء أن لا تفصح عن دفائنها ، وأن لا تعطي من طاقاتها إلا بذلك ، تماما كما هو خلق الإنسان في كبد ، وكما هو برنامج المسؤولية الملقاة على عاتقه التي تمنحه نتائجها في الدنيا والآخرة ، وذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) [الانشقاق : ٦].
* * *