وهكذا نجد أن التقوى تختصر الدين كله ، لأن الدين يمثل تقوى الفكر والعاطفة والحركة والموقف والموقع والعلاقات والتطلّعات والوسائل والغايات ، وهذا هو الذي يجمع معنى الدين في عقيدته وشريعته ومنهجه ، ولذلك كانت عنوان دعوات الأنبياء ، بحيث اختصرت الدعوات بكلمة «اتقوا الله» ، وهذا ما عبرت عنه الآيات التالية كنموذج متنوع للأنبياء في دعوتهم الناس إلى الله (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٠٦] ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٢٤] ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٤٢] ، (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٦١] ، (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٧٧].
* * *
التقوى انفتاح عقلي وروحي وعملي على الله تعالى
وتبقى التقوى عقلا وروحا وقلبا وحركة وحياة تتجه إلى الله في خوف من الحساب على أساس العدل ، وفي حبّ له على أساس الربوبية الخالقة المنعمة الراحمة في كل آفاق العظمة اللامحدودة ، ولهذا فإنها لا تمثّل انسحاقا إنسانيا يسقط الإنسان معها تحت تأثير الخوف المذعور ، بل ارتفاعا بالإنسانية نحو العقل المسؤول ، والحركة المسؤولة التي تنطلق من خلال الإرادة الواعية القوية التي تقي صاحبها من السقوط تحت تأثير نقاط الضعف الإنساني في سلبياته التي تتحدّى سلامة المصير.
* * *