إبليس يستغلّ براءة آدم وحواء
وربما استشعرا بعض القلق في داخلهما ، وعاشا بعض التردد في موقفهما. وحاول إبليس أن يزيل ذلك كله ، فيؤكد الموقف لهما بالطريقة التي لا مجال فيها للتراجع ، وذلك بالأيمان المغلظة التي يطلقها بحرارة المؤمن بما يقول ، الواثق بما يعد (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ، وحلف لهما أنه لا يدّخر جهدا في تقديم النصيحة لهما ، فلا مصلحة له في أن يأكلا أو لا يأكلا ، بل هي مصلحتهما أوّلا وأخيرا. ولم يكن عندهما أيّة تجربة سابقة مع مخلوق يحلف بالله ويكذب ، أو يؤكد النصيحة ويخون أو يغشّ ، فصدّقاه وأقبلا على تلك الشجرة المحرّمة يذوقان من ثمرها (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) أي أنزلهما عن درجتهما الرفيعة ، فأوصلهما إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه ، في ما استعمله من أساليب الخداع. (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) وشعرا بالعري الذي بدأ يبعث في نفسيهما الشعور بالخزي والعار ، في إحساس جديد لم يكن لهما به عهد من قبل. وقيل : إنهما كانا يلبسان لباس أهل الجنة ، فسقط عنهما بسبب المعصية. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ليسترا سوءاتهما في إحساس بالحاجة إلى ذلك ، بطريقة غريزية ، من خلال شعورهما بالدور الخجول للعورة ، أو لأمر آخر يعلمه الله ، وسقطا في الامتحان وأخفقا في التجربة ، وبدأ هناك شعور خفيّ بالخيبة والمرارة نتيجة إحساسهما بأنهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه ، وربّما تذكّرا نهي الله لهما عن الأكل من الشجرة ، وربما يكونان قد عاشا بعض الحيرة في ما يفعلانه في موقفهما هذا ، فهذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرفان فيه ..
وهنا جاءهما النداء من الله مذكّرا ومؤنّبا (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)؟! فكيف خالفتما هذا النهي وعصيتماني ؛ ما حجتكما في ذلك؟ هل هي وسوسة الشيطان؟ وكيف لم تنتبها إلى وسوسته ؛ ألم أحذركما منه