الآيات والتفسير الروائي ، عرض ومناقشة
ورد في تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر محمد الباقر عليهالسلام في قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) قال : «خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيّا وسعيدا ، وكذلك يعودون يوم القيامة مهتديا وضالّا» (١).
قال علي بن إبراهيم : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الشقي من شقي في بطن أمّه ، والسعيد من سعد في بطن أمّه» (٢).
وقد ذكروا أن أبا الجارود مطعون فيه ، ولكنهم قبلوا ما رواه عن أبي جعفر حال استقامته قبل انحرافه عنه إلى الزيدية.
ونلاحظ أن هذا اللّون من الروايات مما لا يمكن الأخذ بظاهره ، لأنه يوحي بأن إيمان الإنسان وكفره أو سعادته وشقاوته ناشئان من طبيعة الخلق ، مما يجعل النهاية كالبداية ، باعتبار توقف مختلف هذه الموارد على طبيعة عنصر الخلق ، فيكون الفعل مظهرا لما في الذات ، لا منطلقا من الاختيار الناتج عن التربية ، ممّا يجعل مسألة التعليم والتربية وحركة الرسالات في الهداية والإنذار والتبشير لا معنى لها ، وهذا ممّا لا يتفق مع العقل في حركته الفكرية وفي بناء العقلاء ، في أمورهم الجارية على واقعية الإرادة الإنسانية والتوجيه العام ، في بناء الشخصية في عناصرها الإيجابية والسلبية.
لذلك لا بد من توجيه أمثال هذه الرواية ، على تقدير صدورها ، بأن المراد منها الحديث عن التنوّع الإنساني في النتائج العملية لحركة الإنسان في
__________________
(١) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ٨ ، ص : ٩٦ ـ ٩٧.
(٢) (م. ن) ، ج : ٨ ، ص : ٩٧.