المشاعر اللاهثة الحارة ، وفي كل التمنيات الروحية ، وفي كل الكلمات المبتهلة الخاشعة ... لا يشارككم أحد في هذا الجوّ الإلهيّ الرائع ، فلا أحد هناك إلّا العبد وربّه ، مما يعمّق في نفس الإنسان الشعور بعبوديته الحقيقة لله ، وانتمائه الصادق إليه بكل هدوء وإيمان وإخلاص ، وبذلك تفرغ كل أفكاره ومشاعره وممارساته من كل معاني الاعتداء ، فتصفو للناس وللحياة بالمستوى نفسه الذي تصفو به لله ، لأن صفاء الروح مع الله ، يحقق أعمق ألوان الصفاء مع الناس ، إذ إن الإنسان إذا أحبّ الله أحبّه عباده ، وذلك هو سرّ التفاعل بين العبد وربه ، فإذا أحب الإنسان ربه ترك كل شيء لا يحبه الله ، وبذلك فإنه يترك العدوان ، إذ (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
* * *
الإفساد عدوان على الحياة
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) إفساد الفكر والعمل والعلاقات ، في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ، فقد أعدها الله إعدادا صالحا ، في ما يريد لها من حركة وحياة ، وأراد للناس ، من خلال وحي رسله ، أن يتابعوا خطوات الصلاح ، ولا يستسلموا لكل عوامل الفساد والإفساد ، لأن ذلك يمثل عدوانا على الحياة ، وانحرافا عن خط الله ... وتلك هي مهمة الإنسان في إدارة طاقاته التي وهبه الله إياها ، بأن تكون كل فعالياتها للصلاح والإصلاح. وذلك هو معنى أن تكون أمانة لله عنده ، فلا يحرّكها إلا بما يرضي الله ، في بناء الحياة لا في هدمها. (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) لأنه هو الذي ينبغي للإنسان أن يخاف من عذابه ويطمع في ثوابه ويرجو رحمته ، وذلك ـ أي الدعاء الذي يمثل عمق الإخلاص له واللجوء إليه ـ ما يجعله قريبا من رحمته ، فتكون رحمته قريبة منه ، ولكن بشرط أن يعيش الإنسان سلوك