هذه الشجرة بالذات ، ما دامت الشجرة لا تمثل شيئا مميزا في شكلها وثمرها.
* * *
التوهّم علّة الانحراف
ولكنّ إبليس ، الذي أخرجه الله من الجنة ، ومنعه أن يسكنها ، كان يملك الاقتراب منها ، أو التردّد عليها ، فعمل على أن يثير في داخلهما الأفكار التي تجعل من هذه الشجرة قضيّة مهمة ذات أبعاد كبيرة في حياتهما ، وأن يحوّل هذا السلام الداخلي والصفاء الروحي ـ اللذين يعيشانهما في علاقتهما بالله ـ إلى حالة عنيفة من الهمّ والقلق والتطلّع إلى آفاق موهومة يفتحها الخيال الذي يريد إثارته في أحلامهما. وتلك هي قصّة الأحلام السعيدة في أكثر مظاهرها ، فهي تتحرك من مواقع الخيال الذي يتحرك في النفس كما يتحرك الضباب ، فيحسّ معه الإنسان بسحر الغموض الذي لا يطيق معه أن يخرج إلى مطالع النور ، وكلّما زادت خيالات الإنسان ، كلما ابتعدت الصورة الحقيقية عن وجدانه ، لأنه يعطيها ضخامة لا تملكها ، وسحرا لا تحتويه. وهذا ما يزيّن المعصية لدى الإنسان ، عند ما يتحرك للاعتداء على ما يملكه غيره ، مما يملك مثله ، على أساس الخيالات التي تصوّر له أنه يتميز عمّا لديه. وهذا ما عبّر عنه الإمام علي عليهالسلام عند ما كان جالسا بين أصحابه ذات يوم ، فمرّت امرأة جميلة ، فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال لهم : «إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله ، فإنما هي امرأة كامرأته»(١).
هذا ما يريد أن يثيره في أنفسهم .. ليس هناك فرق بين الشهوة التي يحصل عليها من الاتصال بامرأته أو من الاتصال بامرأة أخرى ، إلا في ما يثيره
__________________
(١) نهج البلاغة ، ص : ٥٥٠ ، حكمة : ٤٢٠.