أساس تخمين وحدس كما يحدث في أقاصيصكم التي قد ترتكز على كثير من أفانين الظن والخيال (وَما كُنَّا غائِبِينَ) فإن الله حاضر في الزمن كله ، كما أن الزمن كله حاضر أمام الله. إن الزمن يرافقنا أوّلا ثم يتركنا ثم يستقبلنا ونستقبله ، ولكن الله هو الذي خلق الزمان ، وخلق الحياة التي يتحرك فيها الزمن ، فحضوره هو الحضور ، وكل ما عداه هو ظلّ زائل.
* * *
هل يأتي العذاب بعد الإهلاك؟
لقد توقف المفسرون أمام فقرة (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) لأن الظاهر أن الفاء للتعقيب ، مما يعني أن ما بعدها يأتي متأخرا عما قبلها ، فكيف يكون مجيء العذاب بعد الإهلاك مع أن القضية بالعكس؟
وقد ذكر في الجواب عن هذه الملاحظة عدة وجوه : أحدها : ما ذكره الزمخشري في أن المقصود بأهلكناها «أردنا إهلاكها» (١) لا الإهلاك الفعلي. ثانيها : أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا ولعله قريب من الأول. والثالث : انه مثل : زرتني فأكرمتني ، فإن نفس الإكرام هي الزيارة ، قال علي بن عيسى : وليس هذا مثل ذلك ، لأن هذا إنما جاز لأنه قصد الزيارة ثم الإكرام بها (٢).
وربما كان الأقرب أن المسألة واردة على نحو الإجمال والتفصيل ، بأن يكون المقصود هو الحديث عن الإهلاك أولا على نحو الإجمال ثم الحديث عن تفعيل ذلك بمجيء العذاب في الليل أو في وقت القيلولة كتفصيل للإهلاك ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) الزمخشري ، جار الله محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، ج : ٢ ، ص : ٦٧.
(٢) يراجع : مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦١٢.