إبليس يثأر لنفسه من الإنسان
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) والغواية تختزن معنى الضلال في مقابل الرشد. ولعل المراد : فبسبب إلقائك لي في الضلال ، بإخراجك إياي من رحمتك ، وطردي من جنتك ، مما جعلني أجد نفسي في الاتجاه الواحد الذي يبتعد عن الهدى ، فسأثأر لنفسي بإدخال كل هؤلاء الذين ينتسبون إلى هذا الذي يبتعد عن الهدى ، فسأثأر لنفسي بإدخال كل هؤلاء الذين ينتسبون إلى هذا الذي طردتني من أجل موقفي منه بكل ما ملّكتني من وسائل الإضلال والغواية ... (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أي لألتزمنّ صراطك المستقيم في ما يمثله من وحيك وشرائعك ، فأجلس فيه وأرصد كل السائرين عليه لأحوّلهم عن السير فيه ، فأنحرف بهم ذات اليمين وذات الشمال ، وأثير فيهم كل نوازع الشر والجريمة من خلال نقاط الضعف الكامنة في داخلهم ، (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) فليست هناك جهة لا أملك حرية الدخول منها إلى أفكارهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية ، وعلاقاتهم البشرية ، وكل أوضاعهم العامة والخاصة ، لأنهم مكشوفون لي بكل آفاقهم الداخلية والخارجية ؛ فلهم غرائز يمكن إثارتها ، ولهم مطامع يمكن اللعب عليها ، ولهم أهواء يمكن التحرك من خلالها. (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) لأن أكثريتهم لا يصبرون على الحرمان والمعاناة والبعد عن الشهوات ، ولا يواجهون المواقف بروح المسؤولية الجادة التي تحسب حساب النتائج الإيجابية أو السلبية ، لما يقومون به من أعمال ، وما يقفونه من مواقف ، بل يسيرون على أساس مشاعر اللحظة الحاضرة التي يعيش معها الإنسان توتّر الغريزة ، وسعار الشهوة ، ونزق الانفعالات ... وذلك من خلال نقاط الضعف ، وبذلك يفقدون الرؤية الواضحة التي يستجيبون من خلالها لنداء الله في ما يأمر به أو ينهى عنه ، في ما يمثل حالة الشكر العملي للنعمة الإلهية الواسعة التي أغدقها الله على الإنسان في أصل وجوده ، وفي تفاصيله المتحركة بالخير في أكثر من اتجاه.
* * *