تحتاج إلى الاستدلال أو المناقشة ، لأنها من بديهيّات القضايا الفكرية ؛ ولهذا لاحظنا أن النبي نوح قد طرحها كشيء مسلّم به لا مجال للخلاف فيه ، لما يوحي به قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) على ضوء التصور القرآني الذي لا يرى في الكفر مشكلة فكرية تعترض الكافرين لتبعدهم عن خط الإيمان ، بل يرى فيها مشكلة ذاتية نفسية وأخلاقية مصدرها اللّامبالاة ، أو عقدة من الالتزام بالفكر الجديد ... فليس بين الإنسان وبين الإيمان إلا أن يثير الاهتمام في نفسه بالحقيقة ويتخلص من العقدة الذاتية ، لأن ذلك يحطم الحاجز الذي يفصله عن الإيمان ، ويؤمّن له لقاء الحقيقة بطريقة طبيعية.
* * *
لماذا كانت العبادة واجهة الرسالة؟
وقد يرد سؤال ثان : لماذا اكتفى القرآن في حديثه عن رسالة نوح بهذه الكلمة : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)؟ والجواب ، إن معنى العبادة هو الخضوع لله والالتزام بالخط الإلهي الذي جاء به الرسل في ما يتعلق بإقامة العدل المرتكز على النظام التفصيلي الكامل الذي يضع لكل ذي حقّ حقه ، ويثير الحياة في جوّ من الالتزام والانضباط بأوامر الله ونواهيه ... وهذا ما يجعل من الدعوة إلى عبادة الله دعوة إلى بناء الحياة على أساس إسلام الأمر لله في كل شيء ، كما توحي بذلك الآية الكريمة التي تلخص الإيمان في كلمتين: (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠]. في ما تمثله كلمة (رَبُّنَا اللهُ) من المنهج الفكري والعملي للالتزام ، وفي ما تمثله كلمة (ثُمَّ اسْتَقامُوا) من الحركة العملية في هذا الاتجاه.
وربما كان هذا الأسلوب من أفضل الأساليب في تقديم العقيدة بطريقة موجزة موحية ، تحمل في داخلها معنى الشمول والامتداد ، ليعيش الإنسان