وقد نضيف إلى ما أسلفنا الحديث عنه ، من التعليق على الدعوة إلى العبادة لا إلى الإيمان ، أن هؤلاء القوم ربما كانوا من المؤمنين بالله ، ولكنهم كانوا يشركون بعبادته غيره ؛ فكانت الرسالة هي هدايتهم لتوحيد العبادة. ونلاحظ أن هودا لم يتحدّث عن العذاب في مقام الدعوة ، بل تحدث عن التقوى في إلحاح إنكاريّ لابتعادهم عنها. وقد يكون ذلك أسلوبا يستهدف التخويف بطريقة أخرى ، وذلك من خلال الإيحاء بالقوة المطلقة لله الذي لا إله غيره ، مما يدفع بالإنسان إلى الشعور بالرهبة أمامه خوفا من عقابه ، ويدفعه إلى الالتزام بأوامره ونواهيه.
* * *
العقل في مواجهة الانفعال الطائش
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) ، لأنك لا تتكلم كلام الراشدين الذين يزنون كلامهم بميزان العقل ، ويتصرّفون بالطريقة التي لا يسيئون بها إلى أنفسهم وإلى من حولهم ، فأنت تواجه عقيدة الناس التي درج عليها الآباء ، وتتمرّد على تقاليدهم ، وتثير الجوّ الهادىء بأفكار غريبة تحوّل هدوءهم إلى عنف ، وتصيب علاقاتهم الوثيقة بالتصدّع والتمزّق ، وذلك ما توحي به كلمة «السفاهة» عند ما يرمي بها إنسان إنسانا.
وربما يسمع الكثيرون من دعاة التغيير في كل مجتمع مثل هذه الكلمة ، إذا كان هؤلاء الأشخاص لا يمثلون وزنا اجتماعيا كبيرا في حياة الناس. (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ). لم يقولوا له إنك من الكاذبين ، لأنهم لا يملكون أساسا في الجزم بكذبه ، أو لأنهم يريدون تخفيف التهمة ليصوروا أنفسهم بصورة من لا يريد إلقاء الكلام جزافا ، بل يعملون على إعطاء القضية دور المسألة الأكثر رجحانا. ويبقى الأسلوب أسلوب اللّامناقشة في أصل