الفكرة ، ولا تفكير في الموضوع ، بل هو الكلام الانفعاليّ الذي ينفس عن العقدة بدل أن يواجهها بهدوء.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) ، لأن للسفاهة مقاييس وعلامات تخضع للاهتزاز في الفكرة أو في الشخصية ، فما ذا وجدتم في أفكاري من ضعف ، وماذا اكتشفتم في شخصيتي من اهتزاز؟ هل ناقشتم طريقتي في الدعوة ، ومنهجي في الفكر ، وأسلوبي في العمل؟ وهل درستم هذه الطروحات التي أطرحها عليكم في آفاق الإيمان؟ إنكم لم تفعلوا ذلك كله ، فكيف تحكمون بغير علم؟! لقد قالها هذا النبي بكل روح هادئة عقلانية ، توحي بأننا إذا كنّا نتحرك في أجواء الدعوة إلى الله ، فإن علينا أن نواجه أسلوب السباب والاتهام اللّامسؤول ، بالأسلوب الهادىء الذي يعمل على إثارة التفكير في عقول هؤلاء الشاتمين والمتهمين ، فإن ذلك قد يتحول إلى صدمة عقلانية تقودهم إلى الموضوعية في حكمهم على الأشياء والأشخاص.
* * *
دور الرسول النصح لأمّته دوما
وهذا ما يحاوله الدعاة إلى الله ، الأدلّاء على سبيله ، الذين لا يشعرون بأنهم يتحركون من مواقع ذاتية في مواجهة ردود الفعل السلبية القاسية ، بل يتحركون من موقع رساليّ ينتظر تحطيم مقاومة هؤلاء الضالّين ، بالإصرار على الموقف الهادىء الكفيل بدفع الضالّين إلى احترام الفكرة الهادئة التي يطرحها الرسل من خلال احترامهم للعقل الهادىء الذي يوحي به الموقف الرسالي الواعي ، الذي تمثّل في موقف هود كنموذج حيّ رائد ، عند ما قال : (لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) وذلك هو دور الرسول في رسالته ، أن يكون ناصحا لأمته في حاضرها