جوّ اللامبالاة الذي كانوا يواجهون به موقف الرسول والرسالة. (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) فكيف انحرفنا عنه؟ ولكن ماذا نفعل الآن ، وكيف نحصل على الأمن ، وما طريقة الخروج من المأزق الذي أوقعنا أنفسنا فيه؟
* * *
هل من شفعاء للذين نسوا الله في الدنيا؟
(فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) كما كنا نفعل في الدنيا إذا أخطأنا وواجهنا حساب المسؤولية ، كنا نلجأ إلى الوسطاء الذين تربطنا بهم قرابة أو صداقة أو مصلحة ، فيشفعون لنا لدى أولي الأمر ، ونتخلص بذلك من النتائج السلبية لأعمالنا. فهل هناك وسطاء وشفعاء في الآخرة ليشفعوا لنا ، (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) فيعطينا الله فرصة ثانية للعمل ، من أجل أن نصحّح هذا الخطأ ، ونقوّم هذا الانحراف ، ونغيّر المنهج والبرنامج كله ، لتكون حياتنا وفقا لأمر الله ونهيه ، لنحصل من خلال ذلك على رضاه ، فيدخلنا في رحمته ورضوانه؟! ولكن الله يرفض هذه التمنيات ، لأن الشفعاء لا يملكون ذاتيّة التصرف في هذه الأمور ، (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء : ٢٨]. فكيف يشفعون لهؤلاء الذين كفروا بالله وآياته ورسله؟ أما قصة العودة إلى الدنيا ، فقد عالجها القرآن أكثر من مرّة ، وأكّد أنهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ، لأن مثل هذا التمنّي يخضع لمشاعر اللحظة ، فإذا انفصلوا عنها رجعوا إلى أوضاعهم السابقة. وهذا ما جعل الآية تختم الموقف بالإعلان عن خسارتهم لأنفسهم : (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) لأنهم لم يحصلوا من كل حياتهم على شيء ـ أيّ شيء ـ ولم تنفعهم افتراءاتهم شيئا من قريب أو من بعيد.
* * *