أبدع ذلك كله ، فيتضرع له ويخاف منه ، ويطمع به ، وتتحرك أحلامه الكبيرة في اتجاه القرب منه ... وذلك هو أسلوب القرآن في تحريك الإيمان في قلب الحياة ، ليتنامى ويتصاعد وينساب في حياة الإنسان اليومية ، كما لو كان شيئا مرئيا تلمع به العيون ، أو مظهرا كونيا تتلاقى حوله العقول. وبذلك تلتقي الفطرة بالإيمان من أقرب طريق.
* * *
العرش مظهر السلطة الإلهية الأعلى
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، وهو القادر على أن يخلقها في لحظة ، ولكنه أراد للحياة أن تتدرّج في الوجود من خلال ارتباط بعضها ببعض في طريقة تكاملية. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) في ما يرمز إليه الاستواء من الهيمنة والسيطرة والسلطة ، وما توحي به كلمة (الْعَرْشِ) من مركز الملك والحكم ، بعيدا عن أي معنى يتصل بالتجسيد لله ، أو بالشكل المادي للعرش ... ولا ينافي ذلك ما ورد في الأحاديث المتنوعة عن منطقة في السماء تسمى بالعرش ، أو ما جاء في الآية الكريمة : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧] لأنّ من الممكن أن يكون المراد به المنطقة الأعلى في الكون ، باعتبار أنّ ذلك هو مظهر السلطة والسيطرة على الكون على سبيل الكناية ، والله العالم.
* * *
الليل يلاحق النهار
(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً). وهذا من مظاهر قدرة الله ، حيث نرى الليل يلاحق النهار بظلامه فيستره ، ويطلبه طلبا سريعا فيدركه ، تماما كمن