لا يأمر الله إلا بالقسط
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) أي معصية ، في ما تمثله من تجاوز الحدود المعقولة الشرعية التي فرضها الله للأشياء ، وقد غلبت على الأفعال المتعلقة بالجنس أو القريبة منه ، ولكن الظاهر شمولها في هذه الآية لكل عمل يخالف فيه الإنسان ربّه ، مما تدفعه إليه وسوسة الشيطان ، سواء منه ما يتعلق بانحراف في المنهج ، أو في الممارسة. (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) وهذا هو المنهج الخطأ الذي قد يوجّه الشيطان الإنسان إليه ، ليربطه بالخط الفكري أو العملي الذي سار عليه الآباء ، في ما يدينون به من دين ، وما يحملونه من فكر ، وما يرتبطون به من علاقات ، وما يقومون به من أعمال ... على أساس الحالة العاطفية التي تدفع الإنسان إلى احترام كل ما يتصل بآبائه وأجداده ، وإلى التنكر لكل ما يبعده عن ذلك ... وفي هذا الجو ، كان هؤلاء الذين عاشوا ولاية الشيطان في حياتهم ، يبرّرون فعلهم للفاحشة بأن ذلك هو عادة الآباء ، كما لو كان ذلك شيئا مقدّسا لا مجال للاعتراض عليه.
وربما كانوا يشعرون بأن ذلك غير مقنع لدى بعض الناس الذين يرون أن الأمر الإلهي هو الذي يمكن أن يبرر للإنسان ما يعمله ، فحاولوا أن يربطوا أعمالهم بالله فقالوا : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) ، ولكن الله يردّ على هذا الزعم ، بأنه لا يمكن أن يأمر بالفحشاء ، (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) فكيف تنسبون إليه ذلك ، من دون حجة؟! (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)؟! وتلك جريمة كبيرة ، في ما تؤدي إليه من تزييف الحقيقة الإلهية ، في العقيدة أو التشريع ، مما يقود إلى الاجتراء على الله من جهة ، وإلى تزييف الصورة الحقيقية للمسار الإنساني في خط الايمان من جهة أخرى.
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) وهذه هي الصورة المشرقة لأجواء الأوامر الإلهية ، التي يمكن للإنسان أن يأخذ منها الفكرة الصحيحة ، في التمييز بين ما أمر الله