لكم من اليقظة الروحية الدائمة ، والوعي المنفتح المستمر ، والرصد المتتابع المتحرّك لكل كلمة ، أو همسة ، أو فكرة ، أو عاطفة ، أو علاقة ، أو عمل ، أو شهوة ، أو طموح ... لأنه يحاول الاختباء في كل واحدة من هذه ليشوّه فيها جمال الطهر ، ونقاء الروح ، واستقامة الطريق ... لا بد من التحرك على كل الصعد ، وبكل الوسائل التي وهبها الله للإنسان من عقل وإرادة وإيمان .. لأنكم تخوضون المعركة في داخل نفوسكم وخارجها ضد عدوّ لا تعرفونه بالحسّ ، ولا تعرفون أعوانه وجنوده ، إلا بما يعرّفكم الله من وسائله ومخططاته ، بينما يراكم هو وقبيله ، بكل ما تعيشونه من أفكار ومشاعر ، وبكل ما يحيط بكم من قضايا وأوضاع ...
(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) فأنتم مكشوفون أمامهم ، أما هم فليسوا مكشوفين لكم. ولكنّ الله يحفظ المؤمنين من الشياطين ، من خلال ما يلهمهم من أسباب الخير ويوفقهم إليه من وسائل الهداية ، إذ يرعى برعايته عباده المؤمنين الذين يتحركون في الحياة تبعا لمرضاته ، فهو وليهم الذي يؤيدهم ويرعاهم ... أما الذين لا يؤمنون به ولا يسيرون في طريقه ، فإن الشياطين هم أولياؤهم. ولا معنى لولاية الشيطان إلا الإمعان بعيدا في الخداع والغرور الذي يقود الإنسان إلى الهلاك المحتوم ... (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وليس معنى نسبة الجعل إلى الله أنه أمر جبر يفقدون معه الإرادة في ما كوّنه الله فيهم من هذه الولاية التي تربطهم بالشيطان أو تربطه بهم ؛ بل هو أمر اختياريّ ، أو كله الله للإنسان الذي يختار لنفسه طريق السير مع الشيطان ، فتكون النتيجة الطبيعية حصول هذه الولاية بينه وبينه ، انطلاقا من ارتباط المسبّب بالسبب ، فالله خلق السببيّة في طبيعة الأشياء ، أمّا الأسباب فهي بيد الإنسان ، وبذلك يمكن نسبة الفعل إلى الله من جهة ، كما يمكن نسبته إلى الإنسان من جهة أخرى ، كما فصّلنا ذلك في أكثر من موضع في هذا التفسير.
* * *