التي تجسد الضياع بكل معانيه : لقد ضلوا عنا وابتعدوا وضاعوا فلا أثر لهم ، تماما كمن يمسك الريح وعند ما يفتح يده فلا يرى شيئا. وانكشفت الحقيقة ، فلا مجال للنجاة أو الإنكار ، وشهدوا على أنفسهم بالكفر بالله ، ووقفوا ليواجهوا نتائج ذلك كله ... وينتهي هذا الحوار ، ويسدل الستار ، ونعرف من خلال الجو أن المهمة قد انتهت وأنّهم انتقلوا إلى الدار الآخرة.
* * *
المشهد الثاني
أما المشهد الثاني ، فهو صوت ينطلق من الله ، ليوجّه الأمر الحاسم بإدخال هؤلاء الكافرين في النار مع كل الأمم التي سبقتهم من الجن والإنس. ويدخل هؤلاء إلى النار ، فنسمع ـ في قلب هذا المشهد ـ اللعنات تتوالى وتتصاعد وتتشابك ، فكل أمّة تلعن أختها التي سبقتها. اللعنات هي تحيات الداخلين من جديد للسابقين إلى النار ؛ ولكنّها تحيّات الغضب والغيظ والمرارة التي تجيش في الصدور التي وحّد أفكارها الكفر ، ولم يستطع أن يوحّد مشاعرها وعلاقاتها ، أو يربط بينها برابطة التعاطف والتكاتف والاستسلام للمصير المشترك بدون سلبيات في علاقاتها المشتركة ...
إنها وقفات الغيظ المتفجر ، التي تريد أن تصب النقمة والسخط واللعنة على الآخرين الذين تعتبرهم مسئولين ـ حقا أو باطلا ـ عن هذا المصير ، لتخفّف من وقع الصدمة على النفس بالإيحاء بمسؤولية الآخرين عن ذلك.
وهنا ينفتح نوع من الحوار بينهم ، لا يخاطبون فيه بعضهم البعض وجها لوجه ، بل تتوجه الجماعة الأخيرة أمام الجماعة الأولى بالدعاء إلى الله في أن يضاعف عذابه لمن سبقهم ، لأنهم أساس الضلال ؛ فكأنهم يريدون إفهامهم