هم الذين ينفتحون على الحقيقة ، ويعيشونها هاجسا دائما في أفكارهم ومشاعرهم ، ويواجهونها في حالة عميقة من الإصغاء الواعي ، والصفاء الروحي الهادىء ... فتختزن قلوبهم وأحاسيسهم كل المعاني الحيّة والكلمات الصادقة ، أمّا الآخرون الذين لا يعيشون هذا الهاجس ، بل يمتدون في غفلتهم ولهوهم ولعبهم ، ويتحركون من خلال شهواتهم ، فإنهم يعيشون الظلمة المطبقة والغفلة الساذجة ، والشعور الغبي الذي يعكس بلاهة الشخصية وسذاجة الروح.
* * *
اتباع ما أنزله الله على الرسول
(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ويتحوّل الخطاب ، من خلال ما اختزنته الآية الأولى في مدلولها من خطاب الله للمؤمنين من خلال الرسول ، لينتقل إلى مخاطبة المؤمنين مباشرة ، بعد أن خاطبهم من خلال الرسول ... فهم مدعوّون إلى اتباع ما أنزل إليهم من ربهم ، لأن فيه الحقيقة والوضوح والنجاح ... وكيف لا يكون كذلك ، وقد أنزله ربّهم الذي عاشت حياتهم برحمته ، وامتدّت بلطفه ، وتنوّعت بنعمه ، وأراد لهم أن يتحركوا من خلال وحيه وشريعته ، لينعموا بالسعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة ، فإنه لا يريد لهم إلا خيرا ، وكيف لا يريد لهم ذلك ، وهو الغنيّ عنهم في ملكه وسلطانه ، الرحيم بهم في لطفه وإحسانه ، اللطيف بهم بعفوه ورضوانه ... وهل يريد الخالق بمخلوقاته إلا الخير في جميع ما يأمرهم به وينهاهم عنه؟! وهل يمكن أن يريد لهم الشر ، وهو الذي أراد أن يخلصهم منه ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
(وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) بحيث تطيعونهم في ما يأمرونكم به ، وفي ما ينهونكم عنه ، مما لا يتفق مع أمر الله ونهيه ، لأن الله هو الذي يجب أن يتبع ، فهو الذي يعرف ما يصلحكم وما يفسدكم ، وهو الوليّ الذي يرعى عباده