سنّة الله في أهل القرى
وتلك هي سنة الله في الجماعات التي يعيش بينهم الأنبياء ، فإنّ الله يهيّئ لهم الأجواء التي تفتح قلوبهم عليه ، وترجعهم إليه ، فقد يمرّ زمن طويل يعيش فيه الناس الشدائد والأهوال والعوامل المضرّة بأبدانهم وأموالهم تحت ضغط الظروف القاسية التي تتحرك أسبابها بإرادة الله ، ليلجأوا إليه ، وليتضرّعوا فيطلبوا منه الخلاص ، ليتحقّق من خلال ذلك الانفتاح على الإيمان وعلى خطّ الرسالات ، ثم يبدّل الله الشدة بالرخاء ، والسيئة بالحسنة ، والضرّاء بالسرّاء ، حتى يستسلم الناس في إغفاءة الغفلة لحالة الاسترخاء المريح ، فيعودون إلى شهواتهم ولذاتهم يعبّون منها ما يشاءون ، بعيدا عن كل مسئوليّة ، وعند ما تذكرهم بالتاريخ القريب الذي عاشوا فيه الآلام وواجهوا فيه الأهوال ، يبتعدون عن وحي العبرة فيه وحركة الموعظة في مضمونه ، ليقولوا إنها سنّة الطبيعة ، وحركة الحياة ، من دون أن يكون للغيب دخل فيه ؛ فقد عاش آباؤنا الجو نفسه الذي نعيشه ، فمستهم الضرّاء ، حينا والسرّاء حينا آخر ، وتلك هي طبيعة الحياة ، فلما ذا نحمّلها أكثر مما تتحمل ، ونحاول أن ننفذ منها إلى أجواء الغيب وقضايا الكفر والإيمان ، فليس للغيب أي دخل في ذلك من قريب أو من بعيد؟!
ولكن الله لا يغفر لهم هذا المنطق ، فقد يكون صحيحا أن قضية الشدّة والرخاء هي من سنة الحياة ، ولكنها السنّة التي خلقها الله في نطاق الكون ، ليسير على قاعدة ثابتة حكيمة. وقد يهيّئ الله الظروف التي تثيرها سننه ، من أجل أن يثير وضعا معيّنا هنا ووضعا معيّنا هناك ، ليكون ذلك امتحانا للإنسان في أجواء الإيمان والكفر ، وليتحرّك الإنسان وقت الضيق ليبتهل إلى الله في رفع ذلك عنه ، وليشعر ـ بعد الفرج ـ بنعمة الله عليه ، ليكون الله هو الأساس