وإخلاص : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) فهم لم يتعقّدوا من كل أساليب قومهم ، ولم يبادروا بالدعاء عليهم ، بل ابتهلوا إلى الله أن يفتح بينهم وبين قومهم ، ويردم الهوّة الواسعة فيما بينهم بالحق ، لأنهم لا يريدون للعلاقات الإنسانية أن تخضع للتسويات وفق حساب الباطل ، بل يريدونها أن ترتكز على حساب الحق. (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) لأنك تعرف كل ما يصلح أمور خلقك في ما يتّفقون فيه أو يختلفون.
* * *
الله ينصر شعيب ومن معه
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وهم يلتفتون إلى قوم شعيب ليجرّبوا أن يهزموهم نفسيا بأساليب التخويف من النتائج السلبية والعواقب الوخيمة : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ، لأن شعيبا لا يملك الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من الارتباط به أو اتّباعه مسألة مربحة ، بل على العكس من ذلك ، فإن دعوته تعزل أتباعه عن الفعاليات التي تملك القوة والجاه والمال ، وتمنعهم من الحصول على الامتيازات المتنوعة والفرص الجيّدة الموجودة عندهم ، فيخسرون ذلك كله من دون مقابل ، لأن شعيبا لا يمثل شيئا ـ أيّ شيء ـ. وكان هذا الإنذار الأخير الذي وجّهوه إليهم ، فما ذا كانت النتيجة؟ لقد انقلب السحر على الساحر ، وأصبح من كذبوا شعيبا هم الذين خسروا الدنيا والآخرة ، (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) لا يملكون حراكا ، فقد أحاط بهم الموت من كل جانب. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) فلم ينفعوا أنفسهم شيئا ، وذهب كل جهدهم هباء في هباء. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ). أمّا هؤلاء الذين آمنوا بشعيب فهم الرابحون المفلحون ، لأنهم حصلوا على طمأنينة الروح في الدنيا وعلى رضوان