أنزله من كتبه ، (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) وبيّنّا فيه تفاصيل كل شيء على أساس من العلم القائم على الدليل والحجة ، لا على الشكّ والريبة ، وجعلناه (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فقد أراده الله كتاب هدى يهتدي به التائهون الذين لا يملكون الوسائل الكافية للحصول على وضوح الرؤية للأشياء أو على تفاصيلها الدقيقة ، فيرون فيه الأشياء على حقيقتها ، فيهتدون إلى أهدافهم الكبيرة بكل سهولة ... وأراده الله كتاب رحمة ، في ما تمثله هذه الكلمة من أجواء ومعان وآفاق ، تثير في نفوس الناس المشاعر الطاهرة الصافية ، وترعى حياتهم بكل الأساليب التي تتحرك من أجل السعادة في الدنيا والآخرة. ولن يحصل على ذلك إلا المؤمنون الذين يحركون كل خطواتهم على الطريق الذي يفتحه الكتاب للناس جميعا ليلتقوا فيه بالله في خط البداية وفي نقطة النهاية.
* * *
التأويل هو الحقيقة الواضحة
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي الكتاب ، في ما تعنيه كلمة «التأويل» من الحقيقة الواضحة التي تكشف عنها الألفاظ في ما ترجع إليه معانيها ، (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) وهو يوم القيامة الذي تظهر فيه القضايا على حقيقتها بشكل لا يسمح بأي التباس أو اختلاف ، (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) وأهملوه ، ولم يتعمقوا في معانيه ، ولم يتحركوا في اتجاه تحويلها إلى برنامج عملي لحياتهم وحياة الناس من حولهم ... وحاولوا ـ بدلا من ذلك ـ أن يثيروا الغبار من حوله ، ويشكّكوا فيه ، وينسبوا آياته إلى البشر ، ويعطوه صفة الأسطورة والخرافة ، ويتهجّموا على الرسل الذين حملوه كرسالة إلهية إلى الحياة من أجل تنظيمها ، جهلا منهم أو تجاهلا واستكبارا ... وها هم اليوم أمام الحقيقة البارزة ، التي تهدّم كلّ ما بنوه من أضاليل ، وما أثاروه من أوهام ، يتراجعون عن تكذيبهم وعن