التصور الإيماني بعيدا عن المتاهات التفصيلية التحليلية التي قد تضيع عليه الكثير من حقائق الإيمان. (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). وهذا هو الأسلوب الإيماني في إثارة الشعور الذاتي بالخوف ، من أجل تحويل ذلك إلى شعور بالاهتمام بالفكرة التي تقدم إليهم ، ليناقشوها ويفكروا فيها من أجل الوصول إلى القناعات اليقينية الحاسمة في المسألة ، لأن الإنسان لا يحس بالمسؤولية في اتخاذ المواقف الفكرية والعملية ، إلا إذا خاف على حياته من النتائج السلبية التي يسببها الإهمال واللامبالاة. وفي ضوء ذلك ، نفهم أن هذا التخويف لا يعتبر سبيلا للضغط من أجل الإقناع ، بل يتخذ وسيلة من أجل إثارة الاهتمام بالفكرة ، للوصول من خلال الحسابات الفكرية إلى القناعة.
ولا بد لنا أن نستعمل هذا الأسلوب القرآني في الدعوة إلى الله ، بعيدا عن كل الأوهام التي تحاول الإيحاء بكونه أسلوبا لا ينسجم مع طبيعة الخط الفكري الذي يحترم في الإنسان إنسانيته ، فلا يلجأ إلى ممارسة الضغوط عليه من أجل إقناعه بما لا يحس بضرورة الاقتناع به ، فإن مثل هذا الأسلوب يؤكد إنسانية الإنسان ، لأنه يسعى إلى تحريك طاقاته من خلال عناصر الإثارة الطبيعية في حياته في ما خلقه الله فيه من غرائز ذاتية ، تساهم في إيصاله إلى غاياته من أقرب طريق.
* * *
نوح في مواجهة الملأ من قومه
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) كيف كان ردهم عليه ، هل ناقشوه في طروحاته ، هل وقفوا أمامه وقفة هادئة ليدافعوا عن عقيدتهم ، ولينقضوا دعوته من موقع الفكر الهادىء؟ لم يحدث ذلك كله ، بل كانت المواجهة مزيدا من السباب والشتائم ، فقد قالوا له : إنك ـ في ما تدعو إليه ـ