أهل الأعراف
ويهدأ الحوار ريثما يتدخل جماعة آخرون ، وهم أهل الأعراف الذين اختلفت أقوال المفسرين فيهم ، وأبرز ما ورد فيهم قولان ؛ القول الأول : إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تترجح حسناتهم حتى يدخلوا الجنة ، ولا غلبت سيئاتهم حتى يؤمروا بدخول النار ؛ فأوقفهم الله تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنة والنار ، ثم يدخلهم الجنة برحمته ... القول الثاني : إنهم رجال من أهل المنزلة والكرامة مع اختلاف في تحديد شخصيتهم ، بين من يقول : إنهم الأنبياء ، ومن يقول : إنهم الشهداء على الأعمال ، أو العلماء والفقهاء ... واختلفوا في تحديد الأعراف على أقوال منها إنه شيء مشرف على الفريقين ، ومنها إنه تلّ بين الجنة والنار جلس عليه ناس من أهل الذنوب.
وقد يكون في الكثير من هذا الاختلاف لون من ألوان الاجتهاد الذاتي في التفسير ، وربما استند بعضهم إلى بعض الروايات الواردة عن الصحابة والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام ، ولكنّنا لا نجد كبير فائدة في تحقيق هذا الأمر ، لأن ذلك لا يتعلق بالأجواء العامة للآيات. وربما قادنا التفسير إلى بعض اللمحات الموحية في هذا الاتجاه. (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) فليست الأجواء مكشوفة تماما بين أهل الجنة وأهل والنار ، فهناك ستار يفصل بينهما ، أو سور يحجز أحدهما عن الآخر.
(وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) أي بعلاماتهم المميزة التي تتمثل فيها أوضاعهم في خط الإيمان أو الكفر ، في ما يفكرون ويعملون ... فيستطيعون ـ من خلال ذلك ـ تمييزهم ومعرفتهم ، ليتحدثوا إليهم حديث المعرفة. (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، فتلك هي التحية التي توجّه إلى أهل الجنة ، في ما توحي به الجنة من معنى السلام الروحي ، على مستوى الأجواء