وها هم يلتقون في الدار الآخرة ، ولكلّ موقعه في الجنة أو النار ، ويطّلع أهل الجنّة على أهل النار ويسألونهم (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) فها نحن نتقلب في نعيم الجنة ورضوان الله ، كما وعدنا الله من خلال رسله ؛ (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) في ما توعّدكم به من عذاب النار جزاء كفركم ، فها أنتم تجدون أنفسكم في النار كما وعدكم رسل الله. وهو سؤال للإنكار أو للتقرير ، لا للاستفهام. (قالُوا نَعَمْ) في خشوع وذلة واستكانة ، (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) وقد لا يكون للحديث عن هذا المؤمن باسمه أثر كبير في الأجواء التي تثيرها الآية ، فلا نريد أن ندخل في ما دخل فيه المفسّرون من خلاف حول ذلك ، لأن الظاهر هو التركيز على الفكرة الموحية بإبعاد الله لهؤلاء الظالمين عن رحمته في ما تمثله اللعنة من هذا المعنى.
وتأتي الآية الثانية لتوضح المقصود من هذه الكلمة : (الظَّالِمِينَ) ؛ فليس المراد بها الظلم في الاعتداء على حقوق الناس ، بل المراد بها الاعتداء على حقوق الله في العقيدة الحقة والنهج المستقيم ، مما يعتبر ظلما للنفس من جهة ، وظلما لله من جهة أخرى.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بوسائل الخداع والضغط ، فيبعدونهم عن سبيل الله في العقيدة والعمل ، ويمنعونهم عن السير في هذا الاتجاه ، (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ويريدونها منحرفة تتحرك في اعوجاج وانحراف في ما يثيرونه من شكوك وشبهات ، وما يحركونه من غرائز وشبهات. (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ). وهذا هو السرّ في الانحراف الفكري والعملي ، لأن الكفر بالآخرة يبعد الإنسان عن الشعور بالمسؤولية الذي يدفعه إلى تركيز البحث في العقيدة على أساس متين ، ويدفع العمل في اتجاه الصراط المستقيم ، بينما يثير الإيمان بها الحركة الفكرية في اتجاه تصحيح المنهج والمسار والهدف ...
* * *